لم يستوعب معنى خروجه من لبنان…

الدار البيضاء اليوم  -

لم يستوعب معنى خروجه من لبنان…

خيرالله خيرالله

كان يمكن لبشار الأسد أن يبدأ مراجعة حساباته لحظة اضطراره إلى الانسحاب من لبنان. كان يفترض به إدراك أن عليه الاهتمام بسوريا ووقف الحديث المضحك المبكي عن الممانعة والمقاومة.

من لم يستوعب مسبقا النتائج التي يمكن أن تترتب عن اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، يصعب عليه فهم معنى الانسحاب من لبنان. ويصعب عليه، أكثر، فهم معنى ثورة الشعب السوري عليه وعلى نظامه. باختصار شديد. لم يدرك بشار الأسد أنه خرج من سوريا، يوم اضطر إلى الخروج من لبنان، تاركا “الساحة” لإيران التي تحاول بدورها تجريب حظّها في فرض الوصاية على الوطن الصغير.

مرّت في السادس والعشرين من نيسان – أبريل الجاري الذكرى العاشرة لجلاء القوات السورية عن لبنان. من كان يصدّق أن القوات السورية، ومعها الأجهزة الأمنية، يمكن أن تخرج يوما من لبنان بعد احتلال استمرّ رسميا نحو ثلاثة عقود تحت شعار “شعب واحد في بلدين”… وذلك قبل أن يتبيّن أن هناك شعوبا عدّة في بلدين، وفي ما يمكن أن يصبح أكثر من بلدين ودولتين.

لا شكّ أن اللبنانيين لم يتمكنوا من التنعم بالحرّية التي يعنيها الانسحاب العسكري السوري. هذا عائد إلى أسباب عدة من بينها خسارة رفيق الحريري الذي اغتيل قبل شهرين وأسبوعين من الانسحاب السوري، والذي كان دمه وراء الاستقلال الثاني الذي سمّاه الشهيد سمير قصير “استقلال 2005”.

بقيت خسارة رفيق الحريري من النوع الذي لا يعوّض، لا في لبنان ولا في سوريا نفسها، حيث شعر النظام بمدى قدرته على لعب دور إيجابي في مجال نسج علاقة طبيعية بين لبنان وسوريا وبين اللبنانيين والسوريين، وبين السوريين أنفسهم، بما يخدم في نهاية المطاف البلدين في آن.

كان الدور الذي يمكن لرفيق الحريري أن يلعبه في هذا المجال سببا كافيا كي تعمل إيران والنظام من أجل التخلص من الرجل الحالم بالعروبة، بمعناها الحضاري أولا، وبوضع الوطن الصغير، الذي اسمه لبنان، على خريطة العالم والمنطقة مجددا.

من بين الأسباب الأخرى التي حالت دون تمكن لبنان من التنعّم بالحرية، مسارعة إيران عبر “حزب الله”، وهو ليس سوى لواء في “الحرس الثوري”، إلى ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب السوري.

تلا ذلك افتعال حرب مع إسرائيل، كي تعيد الأخيرة، مستخدمة إرهاب الدولة، البلد سنوات إلى الخلف.

ثم جاء اعتصام استمر سبعة عشر شهرا في الوسط التجاري لبيروت شارك فيه، إضافة إلى ميليشيا “حزب الله” تيار النائب المسيحي ميشال عون الذي باشر، باكرا، لعب الدور المطلوب منه إيرانيا، خصوصا في مجال تغطية عملية نشر البؤس في البلد. أصبح عون، بكل بساطة، عنوانا للغطاء المسيحي لعملية نشر البؤس في البلد.

في سياق تعداد الأسباب التي جعلت اللبنانيين غير قادرين على الاستفادة من جلاء الاحتلال، موجة الاغتيالات التي بدأت بالصديق والأخ سمير قصير. استهدفت الاغتيالات شخصيات معيّنة يمكن أن تلعب دورا في بناء البلد وتحصين مؤسساته الوطنية والدفاع عنها.

كان مطلوبا، في كلّ وقت، إفشال التجربة اللبنانية المختلفة التي تمثّلت يوم الرابع عشر من آذار – مارس 2005، حين نزل كلّ لبنان تقريبا إلى الشارع لتأكيد أن هناك بلدا يستأهل الحياة. أكدت تظاهرة الرابع عشر من آذار أنّه يمكن أن يكون هناك بلد على البحر الأبيض المتوسط يشكل نموذجا للعيش المشترك بين طوائف ومذاهب وقوميات، بعيدا كلّ البعد عن النظام الأقلّوي في سوريا، ونتائج ما أسفر عنه الاحتلال الأميركي للعراق.

جاء ظهور تنظيم “فتح الإسلام” السوري في مخيّم نهر البارد الفلسطيني قرب طرابلس كمحاولة واضحة لإيجاد شرخ في العلاقة بين اللبنانيين، وإظهار السنّة بأنّهم يمثلون كلّ ما هو متطرّف، وأنّ الجهود يجب أن تتركّز على بناء حلف الأقليات الذي عماده النظام السوري. استفاق النظام، فجأة، على مكان دفن مار مارون، بعدما ارتكب كلّ ما ارتكبه في حقّ الموارنة خصوصا والمسيحيين عموما.

بعد عشر سنوات على الانسحاب السوري من لبنان، يمكن الخروج بمجموعة من الاستنتاجات التي كان في أساسها هذا التطوّر المحوري على الصعيد الإقليمي. إنّه تطوّر مرتبط على نحو مباشر بتسليم الولايات المتحدة العراق على صحن من فضّة إلى إيران.

قبل كلّ شيء، تبيّن أنّ على لبنان الاستمرار في المقاومة من أجل استعادة حرّيته، ووضعه الطبيعي، ودوره المفترض في المنطقة. هذا الدور ليس وهما، بل هو نتيجة منطقية لصمود اللبنانيين عموما وقدرتهم على المقاومة. الدليل على ذلك أنّ اللبنانيين قاوموا الوصاية السورية، وهم الآن يقاومون الوصاية الإيرانية التي لا بدّ من الاعتراف بأنّها نجحت، إلى حدّ كبير، في تحقيق اختراقات في مجال تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان من جهة، والعثور على أداة مسيحية من جهة أخرى.

في ظلّ المقاومة اللبنانية المستمرّة، هناك أمران لا بد من التوقف عندهما. الأوّل أن بشّار الأسد لم يستوعب، إلى اللحظة، معنى اضطراره لسحب قواته من لبنان. لم يتصرّف من منطلق أن اغتيال رفيق الحريري جريمة في حجم جريمة اجتياح صدّام حسين للكويت، وأن عليه القيام بتغيير جذري على كلّ صعيد في حال كان يريد تفادي الوصول إلى مرحلة الرحيل عن دمشق، كما بات مطروحا الآن. فات الآن أوان القيام بمثل هذا التغيير!

تصرّف الأسد الابن من منطلق أن الانسحاب من لبنان، يُعتبر ثمنا كافيا للتغطية على الجريمة. تبيّن مع مرور الوقت أن هذا الثمن ليس كافيا، وأنّ أقل ما عليه فعله هو الخروج من السلطة. سيحصل ذلك عاجلا أم آجلا. ما نشهده اليوم في الغوطة والقلمون ودرعا وحتّى في أحياء تعتبر جزءا من دمشق… وفي حلب وإدلب ودير الزور وجسر الشاغور، دليل على أن خروج النظام من لبنان كان بداية خروجه من سوريا أيضا. لم يكن كافيا تسليم لبنان إلى إيران كي يسلم رأس النظام في دمشق.

تستطيع إيران إبقاء هذا النظام على قيد الحياة سنة وسنتين وثلاث وأربع وخمس سنوات. تستطيع المشاركة في ذبح الشعب السوري مباشرة، أو عبر ميليشيات لبنانية عراقية وباكستانية وأفغانية… كما تستطيع إلغاء الحدود الدولية بين لبنان وسوريا، ولكن في نهاية المطاف، لا يمكن لأحد الانتصار على الشعب السوري.

كان يمكن لبشّار الأسد أن يبدأ مراجعة حساباته اللبنانية والسورية والإقليمية لحظة اضطراره إلى الانسحاب من لبنان. كان يُفترض به إدراك أنّ عليه الاهتمام، من الآن فصاعدا، بسوريا والسوريين ووقف الحديث المضحك – المبكي عن “الممانعة” و“المقاومة”. هذان العنوانان تستخدمهما إيران لتوريط من يحب أن يورط نفسه في لعبة لا تخدم سوى مصالحها مع “الشيطان الأكبر” و”الشيطان الأصغر”.

في النهاية، هل كان رئيس النظام السوري يمتلك من القدرات والتواضع ما يسمح له بتقدير حجم الجريمة التي شارك فيها، أو التي وجد من يشركه فيها؟

في كلّ الأحوال، سيبقى تاريخ السادس والعشرين من نيسان – أبريل من السنة 2005، تاريخا مفصليا. إنّه تاريخ بدء العدّ العكسي لخروج النظام السوري من سوريا، بعد خروجه من لبنان!

إعلامي لبناني

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لم يستوعب معنى خروجه من لبنان… لم يستوعب معنى خروجه من لبنان…



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca