كيف تبتزّ إسرائيل أميركا

الدار البيضاء اليوم  -

كيف تبتزّ إسرائيل أميركا

خيرالله خيرالله

كان مؤتمر مدريد الذي انعقد في أواخر أكتوبر من العام 1991، أي بعد أشهر قليلة من إخراج القوات العراقية من الكويت، المحاولة الجديّة، التي يمكن أن تكون الوحيدة، للتوصل إلى تسوية شاملة في الشرق الأوسط. تقوم هذه التسوية على قرارات الشرعية الدولية التي تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة في العام 1967، أي على مبدأ الأرض في مقابل السلام.

في مواجهة مؤتمر مدريد، الذي كشف وجود إدارة أميركية تعرف تماما ماذا تريد، لم تجد إسرائيل سوى سياسة المماطلة التي تعكس رغبة في تفادي السلام.

لدى انعقاد مؤتمر مدريد، كان على رأس الحكومة الإسرائيلية ليكودي متشنّج ضيّق الأفق هو إسحق شامير. كان شامير في الوقت ذاته وزيرا للخارجية، فيما كان بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الحالي الناطق باسم الوفد المشارك في مؤتمر مدريد.

لو عاد الأمر إلى شامير نفسه، لكان رفض المشاركة في المؤتمر أصلا. لم يكن من همّ لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي سوى تكريس الاحتلال للأرض الفلسطينية، خصوصا لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. لم يجد شامير ما يردّ به على إصرار إدارة جورج بوش الأب على مجيئه إلى مدريد سوى قوله إننا “سنجعل المفاوضات تمتد عشر سنوات نخلق خلالها وقائع على الأرض”.
    
والوقائع، بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، هي المستوطنات التي لا تزال حكومة نتانياهو تتابع بناءها وتوسيعها. غيّرت هذه المستوطنات طبيعة الأرض في الضفّة الغربية. الهدف لا يزال نفسه ويتمثّل في منع قيام دولة فلسطينية “قابلة للحياة” عاصمتها القدس.

جرّت إدارة بوش الأب، التي كانت تضمّ شخصيتين استثنائيتين هما جيمس بيكر، وزير الخارجية، وبرنت سكوكروفت، مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، شامير إلى مدريد. جرّته من أنفه إلى مؤتمر السلام الذي شارك فيه أيضا ميخائيل غورباتشوف، الذي كان لا يزال رئيسا للاتحاد السوفياتي، وذلك لتأكيد أنّ هناك غطاء عالميا لعملية السلام ورغبة دولية في الوصول إلى تسوية في الشرق الأوسط.

راهن إسحق شامير على عامل الوقت للتملص من إملاءات إدارة أميركية قويّة، ليست لديها عقد، تعرف المنطقة والتوازنات الإقليمية معرفة جيّدة. فبوش الأب رفض الذهاب إلى بغداد، بعد إخراج الجيش العراقي من الكويت، لمعرفته التامة بأنّ أيّ خلل إقليمي سيصبّ في مصلحة إيران التي كانت تنتظر الفرصة المناسبة للانتهاء من العراق وتحقيق الرغبة في انتقام تاريخي منه.

أدّى رهان إسحق شامير على المماطلة إلى نصف نجاح لسياسته. فإدارة بوش الأب لم تتركه يرتاح وعملت كلّ ما تستطيع كي يحل مكانه إسحق رابين الذي أقدم، قبل اغتياله في خريف العام 1995 على خطوتين مهمتين. كانت الأولى التوصل إلى اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، والأخرى توقيع معاهدة سلام مع الأردن، حيث عرف الملك حسين، رحمه الله، بحسّه السياسي المرهف أنّ هناك فرصا لا يمكن أن تتكرّر في المنطقة.

من قتل إسحق رابين، جاء ببيبي نتانياهو إلى رئاسة الوزراء. تابع نتنياهو سياسة إسحق شامير، مع فارق أنّ رهانه صار على الدور الإيراني وغير الإيراني، في إفشال اتفاق أوسلو وأيّ نتائج ترتّبت عليه. أراد بكلّ بساطة إلغاء كلّ نتائج الأحداث التي حصلت بين 1993 و1995.

لعلّ أكثر ما ساعد نتانياهو، الذي صار رئيسا للوزراء في 1996، العمليات الانتحارية التي نفّذتها وقتذاك “حماس″ والتي تكفلت بجعل مزاج المجتمع الإسرائيلي يتغيّر كلّيا في اتجاه رفض السلام، أيّ سلام، وصولا إلى انتخاب أرييل شارون رئيسا للوزراء في فبراير 2001، بعد فشل قمة كامب ديفيد بين الرئيس كلينتون وياسر عرفات وإيهود باراك.

من الرهان على عامل الوقت ثمّ العمليات الانتحارية.. إلى الرهان على الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد، وهو اتفاق أميركي ـ إيراني، لم يتغيّر شيء.

مثلما استخدم شامير عامل الوقت، استخدم نتانياهو العمليات الانتحارية وشعارات “حماس″ وصواريخها. نراه اليوم يستخدم الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني لتحقيق غايتين. الأولى استبعاد أيّ مفاوضات جدّية تعيد الحياة إلى العملية السلمية. والأخرى ابتزاز الإدارة الأميركية إلى أبعد حدود الابتزاز.

كان كافيا الطريقة التي تعامل بها رئيس الوزراء الإسرائيلي مع وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر ورفضه عقد مؤتمر صحافي مشترك معه للتأكّد من أن لا حدود للعنجهية الإسرائيلية في التعاطي مع إدارة باراك أوباما. هل يمكن تخيّل ردّ الفعل الأميركي، لو تصرّف رئيس الوزراء الإسرائيلي مع وزير أميركي بهذه الطريقة عندما كان جورج بوش الأب في البيت الأبيض؟

في كلّ الأحوال، تبدو إسرائيل، التي لم تبذل جهدا حقيقيا، باستثناء الخطاب عالي النبرة، لإفشال الاتفاق الأميركي ـ الإيراني، في وضع يسمح لها بممارسة كلّ أنواع الابتزاز. همّ نتانياهو، على غرار ما كان عليه همّ إسحق شامير، هو الاستيطان. يريد خلق وقائع جديدة على الأرض وأن ينسى العالم أن هناك شعبا فلسطينيا لديه حقوقه “غير القابلة للتصرف” حسب ما ورد في قرارات الأمم المتحدة.

المضحك ـ المبكي هذه الأيّام أن إسرائيل تشكو من موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الاتفاق النووي. استفاقت فجأة على وجود الأمم المتحدة وعلى أهمّية قراراتها التي تتجاهلها عندما تشاء وتستفيق عليها عندما تجد ذلك مناسبا لها.

لم يتغيّر شيء في إسرائيل. الاتفاق النووي مع إيران يبدو فرصة لا تعوّض لممارسة لعبة الابتزاز مع إدارة أميركية تجرّأ بيبي نتانياهو على تحدّيها في عقر دارها. في مارس الماضي، ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى مقرّ الكونغرس في واشنطن بدعوة من رئيس مجلس النواب وألقى خطابا في تحدّ مباشر لباراك أوباما.

يريد بيبي الآن تعويضا عن توقيع الاتفاق النووي. مرّة أخرى يتذرّع بالخطر الإيراني لتحقيق مآرب معيّنة. الأكيد أن إيران توفّر للإسرائيلي، خصوصا لبيبي نتانياهو، كلّ المادة التي يحتاجها لممارسة لعبته الأميركية. فالإسرائيلي لا يريد سماع شيء له علاقة من قريب أو بعيد بعملية السلام وبحقّ الفلسطينيين في دولة. وهذا مطلب إيراني أيضا. في المقابل، يريد بيبي مساعدات وأسلحة لمواجهة “الخطر الإيراني”.. وطيّ صفحة الدولة الفلسطينية المستقلّة.

من الواضح في ظلّ ما شهدناه في الأسابيع القليلة الماضية التي تخلّلها توقيع الاتفاق النووي في فيينا ثمّ التوجّه السريع إلى مجلس الأمن، أنّ لـ”الشيطان الأصغر” حسابات خاصة به. إنّها حسابات قائمة على الابتزاز والانتهازية، في غياب “الشيطان الأكبر” القادر على ضبطه ووضعه في مكانه الحقيقي كما كانت عليه الحال في عهد بوش الأب. تلك أيّام يبدو أنّها ولّت إلى غير رجعة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف تبتزّ إسرائيل أميركا كيف تبتزّ إسرائيل أميركا



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca