التوقيت المريب لزيارة ولايتي للبنان

الدار البيضاء اليوم  -

التوقيت المريب لزيارة ولايتي للبنان

خيرالله خيرالله


نظرة إيران إلى لبنان هي نظرة الدولة المستعمرة التي تعتبر هذا البلد الصغير جزءا لا يتجزأ من أوراقها في المنطقة. أوراق تسعى إيران إلى استخدامها في لعبة المفاوضات بشأن ملفها النووي.

حلّ على لبنان ـ الساحة الدكتور علي أكبر ولايتي مستشار علي خامنئي، مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، في زيارة تعبّر إلى حدّ كبير عن النظرة الفوقية لإيران إلى لبنان. بل زيارة تعبّر عن مدى الاستغباء الإيراني للبنان واللبنانيين.

جاء ولايتي في توقيت أكثر من مريب، خصوصا أنّ لبنان لا يزال من دون رئيس للجمهورية منذ سنة. جاء ولايتي ليقول كلاما لا علاقة له بالواقع. قال كلاما من نوع أن “حلّ المشاكل السياسية العالقة في لبنان تخصّ اللبنانيين أنفسهم”، مضيفا “نحن على ثقة تامة، بأنّه بفضل الديمقراطية العريقة التي يتمتّع بها لبنان، بإمكانه أن يجد المخرج الملائم لملء الفراغ الرئاسي”.

كلّ ما يمكن قوله، إنّ كلّ كلمة وردت في تصريحات مستشار “المرشد”، الذي كان سقوطه في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة سقوطا مريعا، لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة، لا من قريب ولا من بعيد. فاللبنانيون لا يستطيعون حل المشاكل السياسية التي يعاني منها بلدهم بوجود حزب مسلّح هو كناية عن ميليشيا مذهبية مرتبطة مباشرة بإيران. في حال كانت إيران تريد بالفعل مساعدة لبنان، في استطاعتها أن تبدأ بكف شرور “حزب الله” عنه… بدل إعطاء النصائح والإشادة بما تسمّيه “الديمقراطية العريقة التي يتمتّع بها لبنان”.
    
    

نعم، يتمتّع لبنان بـ”ديمقراطية عريقة”، لكن إيران ألغت هذه الديمقراطية، وهي آخر من يحقّ له الكلام عنها بعد ما دعمت ميليشيا مذهبية بالسلاح والمال. وهذا ما لا ينكره السيّد حسن نصرالله، الأمين العام لـ“حزب الله” القيّم على هذه الميليشيا التي توجّه سلاحها إلى صدور اللبنانيين العزّل.

لا مفرّ من طرح السؤال الأساسي. هل إيران مع لبنان الحرّ السيّد المستقلّ أم ضده؟ من الواضح، أننا نجد، متى تمعنّا في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، أنّ نظرة إيران إلى لبنان هي نظرة الدولة المُستعمِرة التي تعتبر هذا البلد الصغير جزءا لا يتجزّأ من أوراقها في المنطقة. هذه أوراق تسعى إيران إلى استخدامها في لعبة المفاوضات بشأن ملفّها النووي.

من هذا المنطلق، يمكن وصف زيارة ولايتي بالمريبة، لا لشيء، سوى لأنّها تأتي في مرحلة ما قبل التوصّل إلى اتفاق في شأن الملف النووي الإيراني. تسعى إيران بكل بساطة إلى فرض أمر واقع قبل الاتفاق وليس بعده. تستغلّ الحاجة الأميركية لهذا الاتفاق لتسجّل نقاطا على الأرض العربية، خصوصا في لبنان. ليس الهلال الشيعي، بالمعنى السياسي للكلمة، سوى تعبير عن الطموحات الإيرانية، التي لم تعد من حدود لها، في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003.

ماذا جاء ولايتي يفعل في لبنان؟ الأكيد أنّه لم يأت للمساعدة في تسهيل عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس ميشال سليمان الذي توّج عهده بـ“إعلان بعبدا” الذي يعبّر عن رغبة حقيقية في حماية لبنان بمواجهة العاصفة التي تهبّ على الشرق الأوسط. قبل “حزب الله” بإعلان بعبدا، على مضض، وما لبث أن انقلب عليه عندما أدرك أنّه يوفّر حصانة للبنان، أي أنّه يحول دون أن يكون لبنان مجرّد “ساحة” لهذا الطرف الإقليمي أو ذاك، بما في ذلك إيران.

لعلّ أخطر ما في زيارة ولايتي ربطه بين لبنان والنظام السوري متجاهلا أنّ “حزب الله” ليس لبنان، كما أن لبنان ليس ذيلا للمحور الإيراني ـ السوري الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بثورة الشعب السوري على نظام امتهن إذلاله وسلبه كرامته طوال ما يزيد على خمسة وأربعين عاما.

قال مستشار خامنئي بصريح العبارة “نشعر بالفخر والتقدير البالغين، عندما نرى الإنجازات الكبرى والانتصارات التي استطاعت المقاومة اللبنانية الباسلة تحقيقها جنبا إلى جنب مع الجيش السوري الباسل في مجال التصدي للمجموعات المسلحة التكفيرية ودحرها في منطقة القلمون.

هذا الأمر يؤدي إلى تقوية محور المقاومة والممانعة ليس فقط في سوريا ولبنان، وإنّما في المنطقة برمتها. آمل أن تتمكن دول هذا المحور من دحر القوى الظلامية من كلّ ساحات المنطقة”.

قد تكون كلمة “ساحات” الكلمة الصادقة الوحيدة في كلّ ما قاله ولايتي. بالنسبة إلى إيران، كلّ الدول العربية “ساحات”، خصوصا أن “حزب الله” لم يحقّق أي انتصارات في أي مكان في سوريا، بما في ذلك القلمون. حتّى لو حقّق “حزب الله” تقدّما في الداخل السوري، كيف يمكن أن يعتبر ذلك انتصارا؟ كيف يمكن لحزب مذهبي لبناني الانتصار على الشعب السوري داخل سوريا؟

    لعل أخطر ما في زيارة ولايتي ربطه بين لبنان والنظام السوري متجاهلا أن "حزب الله" ليس لبنان، كما أن لبنان ليس ذيلا للمحور الإيراني السوري

جاء ولايتي إلى لبنان في سياق تفقد إيران لإحدى مستعمراتها. هذا كلّ ما في الأمر. نسي مستشار “المرشد” أن لبنان رفض النظام السوري وأخرجه من أراضيه قبل ما يزيد عن عشر سنوات. صحيح أن الوصاية الإيرانية حلّت مكان الوصاية السورية، لكنّ الصحيح أيضا أن لبنان ليس في وارد الاستسلام. أكثر من ذلك، يعرف اللبنانيون ما الذي تريده إيران التي تستخدم بلدهم منبرا لمهاجمة العرب، على رأسهم المملكة العربية السعودية التي تحتضن مئات الآلاف من اللبنانيين والتي لم تقدّم سوى الخير للبنان ولمواطنيه.

ما تريده إيران هو تغيير طبيعة النظام اللبناني بعـدما غيّرت، للأسف الشديد، طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان. كلّ الشعـارات التي تستخدم وكلّ الكلام المعسول، ليس كافيا لتمرير المناورة الإيرانية.

في حال كانت إيران جدّية وتريد بالفعل مساعدة لبنان و“ديمقراطيته العريقة”، يبدو الخيار أمامها واضحا كل الوضوح. يكفي أن تساعد في تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، كي يقول اللبنانيون إن بلدهم ليس مجرّد “ساحة” إيرانية لا أكثر ولا أقلّ.

ما يفترض على إيران أن تعرفه هو أن أكثرية اللبنانيين مع ثورة الشعب السوري وليسـت مع النظـام وجيشه. يعرف اللبنانيون جيّدا أن “حزب الله” يقاتل في سوريا من منطلق طائفي ومذهبي ولا شيء غير ذلك. يعرف اللبنانيون خصوصا أن شعاري “الممانعة” و“المقاومة” ليسا سوى غطاء لصفقة مع “الشيطان الأكبر” السابق أي مع الولايات المتحدة، وذلك على حساب كلّ ما هو عربي في المنطقة، بما في ذلك لبنان.

عند الامتحان، يكرم المرء أو يهان. بالنسبة إلى إيران الامتحان هو انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وهو الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط. هل إيران مع انتخاب رئيس للبنان، أم مع التكفيريين الـذين تدعي مقـاومتهم؟ مـا الفارق في نهاية المطاف بين الدواعش الشيعية، أي بين الميليشيات المذهبية التي تدعمها إيران و“داعش” السنّية التي نجدها تدعم النظام السوري بـين حين وآخر لأسباب لا تخفى على أحد… باستثناء الدكتور ولايتي ربّما؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التوقيت المريب لزيارة ولايتي للبنان التوقيت المريب لزيارة ولايتي للبنان



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca