اتفاق مع 'الشيطان الأكبر' بمواكبة 'الشيطان الأصغر'

الدار البيضاء اليوم  -

اتفاق مع الشيطان الأكبر بمواكبة الشيطان الأصغر

خيرالله خيرالله

الهدف من الاتفاق واضح كل الوضوح. من جهة، هناك طمأنة أميركية لإسرائيل في شأن الملف النووي الإيراني. وهناك من جهة أخرى مليارات الدولارات ستحصل عليها إيران نتيجة الاتفاق.

في النهاية، وقّعت إيران اتفاقا مع “الشيطان الأكبر” بمواكبة من “الشيطان الأصغر” الراضي تماما عن الاتفاق على الرغم من كلّ ما يصدر عن بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي من ردود فعل توحي بالعكس تماما.

الهدف من الاتفاق واضح كلّ الوضوح. من جهة، هناك طمأنة أميركية لإسرائيل في شأن الملفّ النووي الإيراني. وهناك من جهة أخرى مليارات الدولارات ستحصل عليها إيران نتيجة الاتفاق. وقّعت إيران الاتفاق بعد مفاوضات طويلة مع مجموعة الخمسة زائد واحد لسبب في غاية البساطة. تريد إنقاذ اقتصادها من الانهيار التام لا أكثر ولا أقلّ.

يستطيع الرئيس حسن روحاني، وغيره من المسؤولين الإيرانيين، الحديث عن انتصارات وإنجازات تحقّقت. هذا الكلام هو للاستهلاك الداخلي. تماما مثل كلام الرئيس باراك أوباما لذي سيواجه معارضة للاتفاق في الكونغرس. لذلك يحاول أوباما الذي وجد في الاتفاق الإيراني المكان الوحيد الذي يحقّق فيه إنجازا إقناع الكونغرس، من الآن، بأن هذا الاتفاق كان بديلا من حرب جديدة.

يتفاخر الإيرانيون بأنّ لديهم صبرا طويلا. يعطون دائما مثلا على ذلك المدة التي تمضيها عائلة واحدة في العمل من أجل شغل سجّادة. هذا صحيح. لكنّ الصحيح أيضا أن الإيراني يبيع السجادة في أقلّ من خمس دقائق… أو لنقل بعد جدال ومساومات قد تأخذ نصف ساعة أو أكثر بقليل.

في اللعبة الدائرة مع الولايات المتحدة، لم تكن من حاجة للوصول إلى ما وصلت إليه إيران. أي حال حصار وعقوبات دولية جعلتها ترضخ في نهاية المطاف لشروط “الشيطان الأكبر” المحبوب جدّا من معظم أفراد الشعب الإيراني. بين الشعب الإيراني وأميركا حكاية غرام طويلة وقديمة. لم تكن الولايات المتحدة يوما ضدّ إيران. على العكس من ذلك، كان هناك دعم أميركي لإيران، حتّى إبان الحرب مع العراق بين العامين 1980 و1988 وفي مرحلة ما قبل الحرب. من يتذكر قضيّة “إيران غيت”… التي يتجاهل كثيرون أنها حقيقة؟
    
في كتابه “الجاسوس الطيّب” الموثق توثيقا جيدا، يشير الكاتب كاي بيرد إلى أنّ مسؤول الـ”سي. آي. إي” في المنطقة بوب إيمز كان أوّل من حذّر الإيرانيين بعد ثورة آية الله الخميني في العام 1979، من إمكان لجوء صدّام حسين إلى شنّ حرب عليهم. بالطبع، لم يأخذ المسؤولون الإيرانيون الجدد بالتحذير الأميركي. لجأوا إلى استفزاز الولايات المتحدة عن طريق احتلال سفارتها في طهران طوال 444 يوما.

كلّ ما في الأمر، أنّ النظام الإيراني أراد دائما استخدام العداء للولايات المتحدة بحثا عن شرعية ما. حارب الولايات المتحدة في كلّ مكان. كانت كلّ حروبه على حساب الإيرانيين ورفاههم، وعلى حساب أهل المنطقة من العرب. هل يستأهل لبنان، على سبيل المثال وليس الحصر، ما حلّ به على يد إيران من أجل الوصول إلى الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه مع الولايات المتحدة؟ كم من مرّة فجرت إيران عبر عملائها، أو حاولت تفجير، السفارة الأميركية في لبنان؟

طوال ما يزيد على خمسة وثلاثين عاما، استثمرت إيران في كلّ ما من شأنه إثارة الغرائز المذهبية. فعلت ذلك في كلّ بلد عربي وحتّى في المملكة العربية السعودية التي عرفت باكرا كيف تضع حدا لمحاولات إيران “تسييس الحج”. كان في استطاعة النظام في إيران التفاهم مع واشنطن منذ اللحظة التي أطيح فيها الشاه بمباركة أميركية. لم تكن من حاجة إلى كلّ هذا الخراب والدمار للوصول إلى النتيجة التي اسمها الاتفاق في شأن الملفّ النووي… لو كان في إيران عقل يسعى إلى البناء بدل التخريب من جهة، والامتناع عن الاستثمار في إثارة الغرائز الطائفية والمذهبية من جهة أخرى.

ماذا جنت إيران في لبنان غير الخراب الذي حلّ بلبنان؟ ما هو المشروع السياسي والاقتصادي لإيران في لبنان؟ هل عزل لبنان عن محيطه العربي هدف بحدّ ذاته؟

ما ينطبق على لبنان ينطبق أيضا على سوريا والعراق والبحرين واليمن وحتّى السودان. ماذا جنت إيران من كل استثماراتها في هذه الدول العربية؟ ماذا جنت من المتاجرة بالقضية الفلسطينية ومن “يوم القدس” الذي ليس سوى وسيلة للمزايدة على العرب بهدف إحراجهم؟

بعد كلّ هذا الخراب والدمار، عادت إيران إلى الحضن الأميركي الدافئ بمباركة إسرائيلية. كان في استطاعتها أن تفعل ذلك قبل ستة وثلاثين عاما، لكنّها فضّلت نسج السجادة التي ما لبثت أن باعتها في مرحلة لم يعد أمامها سوى الاستسلام للشروط المفروضة عليها.

العالم كلّه، بما في ذلك العرب، يعرف أنّ المشروع النووي الإيراني كان حجة استخدمها المجتمع الدولي، بمباركة إسرائيلية، لتطويع إيران. كان من الأفضل الوصول إلى النتيجة التي أمكن التوصل إليها قبل سنوات عدّة. كان ذلك سيوفّر على المنطقة الكثير من العذابات. ولكن ما العمل عندما يكون في نيّة إيران لعب الدور المطلوب منها أن تلعبه أميركيا وإسرائيليا؟ هل كانت إسرائيل يوما ضدّ أن تكون جبهة جنوب لبنان جرحا ينزف… على حساب لبنان واللبنانيين وأهل الجنوب تحديدا؟

صبّ الدور الإيراني ولا يزال يصبّ، في تفتيت المنطقة. أين المشكلة الأميركية والإسرائيلية مع هذا الدور؟ أين المشكلة الأميركية والإسرائيلية في تقسيم العراق بواسطة الميليشيات المذهبية التابعة لأحزاب تتلقى تعليماتها من طهران؟ أين المشكلة في ألا تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام؟

في ضوء الاتفاق النووي، هناك سؤال وحيد مطروح: هل تتغيّر إيران؟ من الصعب الإجابة عن السؤال. لكنّ تجارب الماضي لا تشجّع على التفاؤل، خصوصا أن ليس في طهران من على استعداد للقيام بعملية نقد للذات. تشمل هذه العملية الاعتراف بأنّ سياسة عمرها ستة وثلاثين عاما لم تأت على إيران والإيرانيين، وعلى كلّ منطقة الشرق الأوسط، سوى بالخراب والبؤس. كان في استطاعة إيران التوصّل إلى ما هو أفضل بكثير من اتفاق فيينا قبل سنوات طويلة، أي قبل متابعة سياسة الاستثمار في كلّ ما من شأنه التخريب ولا شيء آخر غير التخريب. هناك شيء اسمه البناء. تستطيع إيران الاستعاضة عن دورها التخريبي بدور بنّاء يخدم، أوّل ما يخدم، شعبها.

لعلّ الشرط الوحيد لحصول عملية الانتقال هذه، من التخريب إلى البناء، تخلي طهران عن وهم الدور الإقليمي. الحضارة الفارسية حضارة قديمة ومهمّة. لا خلاف في شأن ذلك. لكنها ليست كافية للعب دور مهيمن على الصعيد الإقليمي، خصوصا عندما يكون نصف أهل البلد دون خط الفقر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اتفاق مع الشيطان الأكبر بمواكبة الشيطان الأصغر اتفاق مع الشيطان الأكبر بمواكبة الشيطان الأصغر



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca