عند الجيران الوضع أسوأ مما نعتقد…

الدار البيضاء اليوم  -

عند الجيران الوضع أسوأ مما نعتقد…

توفيق بوعشرين

منذ انتخابه على رأس الدولة الجزائرية قبل سنة، لم يظهر عبد العزيز بوتفليقة إلا نادرا في التلفزة الرسمية لبلاده، فهو لا يخرج من قصره، ولا يسافر في بلاده، ولا يركب طائرة إلى الخارج. صوته يكاد لا يسمع، وصورته فوق كرسي متحرك تثير الشفقة أكثر من شيء آخر. جارنا العنيد مريض، لكن بلاده مريضة أكثر منه، ولا نبالغ إذا قلنا إن الجزائر هي رجل المغرب العربي المريض، كما كانت توصف الإمبراطورية العثمانية قبل قرن من الزمن بأنها رجل أوربا المريض.. اسمعوا علي بن فليس، المعارض الأول لبوتفليقة، ماذا قال لجريدة «لوموند» الفرنسية الأسبوع الماضي: «لقد مرت على الجزائر سنة بيضاء. نظمنا الانتخابات لنعالج المشاكل، لكن بعد سنة على تجديد الولاية الرابعة للرئيس لم نحل أي أزمة. البلاد واقفة، وهي تتجه إلى الباب المسدود، وإلى نفق سياسي واقتصادي واجتماعي مظلم».

الرئيس المعزول تماماً عما يجري في بلاده وفي العالم لم يعقد إلا خمسة اجتماعات للمجلس الوزاري الذي يرأسه، وهذا معناه أن آلة التشريع والتنفيذ واقفة. في سنة 2014 كلها لم تقدم الحكومة سوى 27 مشروع قانون إلى البرلمان، وهي أضعف حصيلة تشريعية في العالم بدون مبالغة…

عبد العزيز الرحابي، وزير جزائري سابق، يرسم صورة أفظع للوضع في بلاده يقول: «إن المؤسسات مشلولة، والرئيس معزول isolé، وليس له من واجهة إلا أخوه سعيد بوتفليقة»…

هذا ليس أسوأ شيء في الجزائر، جارتنا الشرقية التي اتخذت من العداء للمغرب سياسة ثابتة لها.. أسوأ ما فيها هو الوضع الاقتصادي للبلد. برميل البترول الذي كان قبل سنة يباع بـ125 دولارا، نزل اليوم إلى أقل من 60 دولارا، وهذا يعني أن الجزائر التي تعتمد في 60 ٪ من ميزانيتها على عائدات صادراتها من المحروقات، خسرت عشرات المليارات من الدولارات في سنة واحدة، والأسوأ قادم، فالبلاد لا تصدر شيئا تقريبا إلى الخارج باستثناء الغاز والبترول (منذ الاستقلال سنة 1962 وصادرات الجزائر تتلخص في الغاز والبترول. 98 ٪ من صادرات الجزائر مما تخرج الأرض من محروقات)، في حين أن جارتنا تستورد كل شيء تقريبا، وتدفع فاتورة ثقيلة لهذا الاستيراد غير المحدود وصلت سنة 2014 إلى حوالي 60 مليار دولار.

لقد اعتقد حكام الجزائر أن أزمة أسعار البترول لن تدوم طويلا، وأنها سحابة صيف، لهذا عمدوا إلى صندوق احتياطاتهم، وبدؤوا يغرفون منه لتغطية عجز الميزانية في بلاد تخصص ربع ناتجها الخام لدعم المواد الأساسية من أجل شراء السلم الاجتماعي، لكن أموال صناديق الاحتياط تذوب مثل قطعة السكر في الماء الساخن، لأن أثمنة البترول لم تصعد إلى الآن، والعجز يكبر، وكتلة أجور القطاع العام تضخمت بشكل مهول بعد أن عمدت الدولة إلى توظيف عشرات الآلاف من الشباب العاطل قبل أربع سنوات خشية أن يصنعوا ربيعهم الخاص. ولسد العجز، عمدت الحكومة إلى تجميد الاستثمارات في البنيات التحتية والتقليل من الاستيراد، لكن كل هذا ليس سوى حبة أسبرين تسكن الألم لكنها لا تعالج المرض.

الحكومة الجزائرية عاجزة عن رفع الدعم الكبير عن المواد الأساسية، كما فعلت حكومة بنكيران، لأنها تخشى على السلم الاجتماعي، ولأن شرعية الحكام هناك لا تحتمل مغامرة مثل هذه…

بوتفليقة اشترى السلم الاجتماعي بعملتين؛ الأولى هي عائدات النفط والغاز، وها هي في نزول الآن، والثانية هي تذكير الجزائريين بفظاعات العشرية السوداء للحرب الأهلية، لهذا تعاني الجزائر اليوم في صمت، وحتى احتجاجاتها الاجتماعية ليس لها نفس سياسي لأن الناس يخافون العودة إلى أهوال الحرب الأهلية التي قضت على أكثر من 150 ألف ضحية، ناهيك عن الجرحى والمعتقلين والمنفيين…

البلاد محاصرة بين فكي كماشة لا يعرف أحد متى تفتح.. الجزائر رهينة بين الحالة الصحية للرئيس وثمن البترول في السوق الدولي، وكلا الأمرين خارج السيطرة. مرض الرئيس وعمره بيد الله تعالى، وثمن برميل النفط في يد القوى الكبرى ولعبة الحرب والسلم في العالم.. هل رأيتم بلادا تنام وهي لا تعرف على ماذا ستستيقظ غداً؟ إنه مصير بئيس ومحزن لشعب كبير ضحى كثيرا من أجل استقلاله الأسطوري عن فرنسا، وناضل لمدة قرن ونصف من أجل طرد الاستعمار، لكنه عاجز اليوم عن طرد نخب الاستقلال التي قادت البلاد إلى هذا المأزق الكبير…

نحن في المغرب لا نشمت في جيراننا، ولا نتمنى أن تخرج أزمتهم السياسية والاقتصادية عن السيطرة. نتمنى أن يجدوا حلا أو توافقا أو صفقة لعبور مرحلة الخطر… عندما تشتعل النار في بيت جارك فهي لا تبقى هناك، وألسنتها لا تعرف الحدود التي في رأسك.. نيرانها ستحرق الحي كاملا، خصوصا أن ليبيا اليوم دخلت إلى حرب أهلية مدمرة، وفيها أكثر من 50 مليون قطعة سلاح، بما في ذلك الدبابات والصواريخ والطائرات التي أصبحت في أيدي المليشيات المتناحرة.. زد على ذلك أن الوضع في موريتانيا هش للغاية، وفي مالي كل شيء قابل للانفجار.. إذن، ما علينا إلا أن ندعو الله أن يحفظ الجزائر مادامت الحدود مغلقة والعقول معطلة، ولا أحد يكلم الآخر ولو عبر الهاتف، فالخطوط مقطوعة بين الجزائر والرباط…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عند الجيران الوضع أسوأ مما نعتقد… عند الجيران الوضع أسوأ مما نعتقد…



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 02:43 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

حسن الرداد في ضيافة "أبلة فاهيتا" في "الدوبلكس"

GMT 01:14 2014 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

أهمية الكمون واستخداماته وفوائده الصحية

GMT 06:10 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

"ذا فويس كيدز" يواصل مشوار النجاح واستقطاب أكبر نسبة مشاهدة

GMT 11:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المراهقة السياسية المتأخرة‎

GMT 11:43 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

2262 طن خضار وفواكة ترد للسوق المركزي في الأردن

GMT 08:55 2018 الخميس ,08 شباط / فبراير

قائمة بأفخم وأفضل الفنادق في الشرق الأوسط

GMT 04:12 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

سهام جلا تعود بقوة إلى الوسط الفني خلال مجموعة أعمال

GMT 10:25 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

أطعمة خالية من السعرات الحرارية وتساعد في حرق الدهون
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca