درس في الحياء

الدار البيضاء اليوم  -

درس في الحياء

بقلم - توفيق بو عشرين

قبل أربع سنوات، نزل خبر سيئ على مكتب الرئيس المدير العام لشركة صناعة السيارات الفارهة «فيراري» في مدينة Maranello في إيطاليا: مبيعات الماركة المشهورة عالميا تنزل بطريقة كارثية في إسبانيا، خاصة في برشلونة. أكثر من هذا، حتى الأغنياء الذين اقتنوا آخر نسخ الماركة الرياضية، يرجعون السيارات إلى الدار، ويطلبون إعادة بيعها للتخلص منها. سأل المدير الإيطالي عملاء الشركة في برشلونة عن سبب هذه الكارثة، فجاءه الجواب على الفور: إنها تداعيات الأزمة الاقتصادية التي ضربت إسبانيا. لم يقتنع الرئيس المدير العام بهذا الجواب، لأن الأزمة الاقتصادية لم تمس زبناء الشركة، وهم الأغنياء جدا، وهؤلاء لم يفقدوا وظائفهم، ولا نزلت أجورهم، فلماذا يتوقفون عن شراء السيارات، أو يرجعونها إلى الشركة، ويطلبون بيعها بثمن أقل؟ الأزمة الاقتصادية لا تفسر كل شيء، لذلك، عمدت إدارة الشركة في إيطاليا إلى إرسال متخصصين في استقصاء رأي العملاء وحركة السوق، حيث توجهوا إلى طلب مقابلات مع زبناء الفيراري لمعرفة سر قرارهم التخلي عن أحدى أشهر الماركات العالمية في السيارات، فكانت النتيجة مفاجئة. جل الذين أرجعوا السيارات الفارهة إلى الشركة، في محاولة للتخلص منها، وجل الذين توقفوا عن شراء آخر نسخ الفيراري، لم يفعلوا ذلك لأسباب مالية، بل لأسباب اجتماعية ونفسية وثقافية، حيث قال الزبناء لمندوبي الشركة الإيطالية: «لم نعد مرتاحين للتحرك بسيارات الفيراري، التي يصل سعر الواحدة منها إلى 200 ألف أورو أو أكثر، أمام الناس في الشارع، في الوقت الذي يغرق فيه مواطنونا في الأزمة الاقتصادية، ويفقدون وظائفهم، ويكافحون من أجل العيش، ومن أجل تسديد أقساط المنزل، نشعر ونحن داخل الفيراري، بمقاعدها الجلدية وألوانها الفاقعة، بأننا نستفز الأغلبية الساحقة من المواطنين، لذلك، تخلينا عن هذا الـluxe مرحليا حتى تنفرج الأزمة».. لم تكن الأزمة الاقتصادية هي السبب، بل الأزمة الأخلاقية!
هذه الحادثة تكشف جانبا من الإحساس الإنساني عند الطبقة البرجوازية في أوروبا، والتي لم يجعلها المال تنفصل كليا عن مجتمعها، ولا عن الإحساس بمعاناة مواطنيها. ليس الغني من يعيش في جزيرة معزولة يحيط بها بحر من الفقراء والمهمشين.. الغني الحقيقي هو الذي يعيش في وسط فيه القليل من الفقراء، وفيه الكثير من الطبقات الوسطى.
إظهار الغنى، والتفاخر بالمال، واستعراض الرفاهية أمام أنظار الفقراء، سلوكيات غير أخلاقية، وهي تنمي الكراهية والحقد الطبقي، أكثر من أي شيء آخر، خاصة عندما يكون مصدر المال هو الريع، واستغلال النفوذ، ومد اليد إلى المال العام، أو يكون مصدر الثروة هو الفساد أو التجارة في الممنوعات، عندها تصبح الثروة «دلائل مادية على ارتكاب الجرم». هذا لا يعني أن نحرم الأغنياء من حقهم في التمتع بثرواتهم. ليس هذا هو المقصود، لكن عندما ينظم مقاول عقاري حفل عرس أسطوريا، ويستدعي «التريتور» من فرنسا، ويجلب الأكل من باريس، وينقل مغنية الحفل في طائرة خاصة إلى مراكش، فهذا ليس غنى.. إنه فقر الإحساس بمشاعر الآخرين، واستهتار لا مبرر له… قبل سنتين، وضعت شركة بينتلي في المغرب هدف بيع 12 سيارة، وإذ بها في نهاية السنة تبيع أكثر من 20، اثنتان فقط بقرض والباقي كاش، هذا في الوقت الذي يبلغ ثمن سيارة البينتلي الواحدة حوالي مليوني درهم، في بلاد تموت النساء فيها من أجل قفة بـ150 درهما في نواحي الصويرة!
الرأسمال، أكان صغيرا أم كبيرا، له مسؤولية اجتماعية، وله دور سياسي، وله وظيفة أخلاقية، لذلك، تبرع بيل غيتس بالجزء الأكبر من ثروته للعمل الخيري، ومثله فعل وارين بوفيت، وزوكلبيرغ وآخرون.
في بلادنا الرأسمال يخاف السياسة، ويتهرب من دوره في الدفاع عن «الليبرالية»، ويتخلى عن وظيفته الاجتماعية، ويفضل العمل والربح تحت جناح السلطة، ويصبح أرقاما بلا قيمة، وملايير بلا وظيفة غير إمتاع صاحبها وهو يعيش وسط فقر بلا ضفاف، وحرمان بلا حدود.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

درس في الحياء درس في الحياء



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 12:24 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

عودة الإلترات

GMT 07:22 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

زوري أيسلندا للتمتع بمغامرة فريدة من نوعها

GMT 01:38 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

ميغان ماركل تنوي شكر صديقاتها في حفلة زفافها الثانية

GMT 06:54 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يوضّح كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 05:59 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

5 حيل ذكية لتهدئة بكاء الطفل سريعًا

GMT 12:20 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

حسين فهمي وشيري عادل يفضلان الرسم ومحمد رمضان يعشق الرياضة

GMT 00:17 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة بريطانية تتيح درجة البكالوريوس في "البلايستيشن"

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 12:35 2018 الجمعة ,08 حزيران / يونيو

توقيف محامي في تطوان مُتهم بتزوير أختام الدولة

GMT 04:53 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

طرق ترطيب الشعر الجاف في فصل الصيف

GMT 07:22 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

"لاند روڤر" تُطلق أوّل سيارة كوبيه فاخرة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca