حوار صريح مع وزير إسلامي

الدار البيضاء اليوم  -

حوار صريح مع وزير إسلامي

بقلم - توفيق بو عشرين

لم يكد يكمل سعد الدين العثماني وفريقه 100 يوم في المشور السعيد، حتى بدأت الصيحات تتعالى من كل جانب في حزب العدالة والتنمية، تطالب بانسحاب المصباح من حكومة أبريل، لإنقاذ ماء وجهه، والحفاظ على مشروعه السياسي، واستدراك سوء تقدير سياسي وخوف شخصي تملك بعض القياديين في حزب العدالة والتنمية، ودفعهم إلى القبول بالمشاركة في حكومة ضعيفة، وأغلبية مخدومة، وجهاز تنفيذي لا يملك ربع الهامش الذي يعطيه إياه الدستور من أجل مباشرة الإصلاحات الضرورية.

يوم عيد الفطر، اضطر جل وزراء البيجيدي إلى إغلاق هواتفهم وأفواههم عندما كان أبناء الريف «يُسلخون»، فقط لأنهم يتظاهرون في الشارع للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهم والنهوض بمنطقتهم… لم يقو رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، وفريقه، على الدفاع عن سياسة العصا التي تنزل باسمه على رؤوس الناس، وفي الوقت ذاته لم يقدر رئيس حكومتنا على مجابهة احتجاجات مناضلي حزبه في القاعدة والقيادة ضد المقاربة الأمنية، والعودة إلى زمن انتهاكات حقوق الإنسان، ففعل ما يتقنه دائما في مثل هذه الأوقات الحرجة، التي تتطلب قرارا وجرأة ووضوحا.. لجأ إلى الصمت، وإلى «اللاقرار»، وإلى وضع رأسه في الرمل إلى أن تمر العاصفة.

حتى الوزراء الذين كانوا، في ما مضى، ناشطين فايسبوكيا، بلعوا ألسنتهم، وأقفلوا كتب التبرير، وتوقفوا عن صبغ المرحلة بألوان خوفهم أو هواجسهم أو ضعفهم أمام المنصب، وكل ذلك على حساب مليوني مغربي أعطوهم أصواتهم في آخر انتخابات ليقودوا الإصلاحات العميقة في الدولة، لا ليضفوا الشرعية على عصا السلطة، وليطبعوا مع الفساد والسلطوية وسياسة إقفال القوس والرجوع إلى الوراء.

سألت وزيرا من حزب المصباح يشارك في حكومة العثماني عن أسباب قبول الحزب المشاركة في «حكومة محكومة»، بعد الإطاحة ببنكيران الذي كان يمثل خط الدفاع الأخير عن مشروع الحزب القائم على الإصلاح في ظل الاستقرار، فرد علي: «لم يكن أمامنا بديل إلا القبول بالمشاركة في حكومة نعرف حدود الهامش أمامها. هذا من باب أقل الأضرار»، قلت: «كان باستطاعتكم أن تنزلوا إلى المعارضة، وأن تدافعوا عن الإصلاحات التي وعدتم الناس بها، فالمعارضة مؤسسة دستورية، كما تعلم، وهي جزء من النظام، وليست خارجه»، فرد بعصبية: «كيف تريدنا أن نرفض دعوة صاحب الجلالة إلى العمل مع الحزب، وقد اختار جلالته رئيس المجلس الوطني ‘‘الرجل الثاني’’ لقيادة الحكومة، مكان الأخ بنكيران؟ إذا رفضنا المشاركة في الحكومة، فذلك معناه أننا نرسم قطيعة مع المؤسسة الملكية.. قطيعة ربما تدوم عقودا، وربما تقودنا المعارضة إلى اصطدام مع النظام، وليس مع الحكومة التي لن تكون لها من مشروعية دون العدالة والتنمية، وأنت تعرف أن يد الدولة غليظة، وإن هوت فوق رأسك فلن تجد من يساندك أو يخفف عنك، ثم إن المغاربة اختارونا لنشتغل مع الملك في كل الظروف والأحوال». استدركت عليه بالقول: «أنا أقول لك النزول إلى المعارضة وليس الصعود إلى الجبل، واختيار المعارضة لا يعني الخروج عن طاعة ‘‘ولي الأمر’’، ألم تسمع الحسن الثاني، رحمه الله، يقول: ‘‘لو لم تكن لدي معارضة في المغرب لصنعتها’’. الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية تحتاج إلى المعارضة قدر احتياجها إلى الموالاة، ثم من قال لك إن المعارضة في البرلمان وفي المؤسسات ستقود إلى الاصطدام بالملكية؟ نحن بلد فيه دستور، وفيه قانون، وفيه تجربة سياسية عمرها من عمر الاستقلال، وقد سبق لعلال الفاسي وعبد الله إبراهيم وامحمد بوستة وعبد الرحيم بوعبيد واليوسفي أن اعتذروا إلى الحسن الثاني مرات عدة عن دخول حكومات متعددة. لم تحدث هناك قطائع بالشكل الذي تتحدث عنه، ولم يحل القصر الأحزاب التي نزلت إلى المعارضة… نعم، تعرضت للتضييق والتزوير في الانتخابات، لكن ذلك قواها ولم يضعفها في عيون المغاربة. العكس هو الذي وقع، انهارت الأحزاب الوطنية عندما قبلت الدخول إلى حكومات هجينة بلا سلطة ولا قرار، والاتحاد الاشتراكي أبرز مثال على ذلك.. ثم إنك حين تقول إن المغاربة اختاروكم للعمل مع الملك، هل ذلك معناه أن الآخرين اختاروهم للعمل ضد الملك؟ هذه تبريرات وليست قناعات، ثم، في النهاية، لا يوجد تأمين من كل المخاطر Assurance tout risque في السياسة. دائما هناك هامش للمخاطرة، وهذا ما يصنع الفرق بين حزب وآخر». رد الوزير الملتحي بهدوء مصطنع قائلا: «لماذا كل هذا التهويل بخصوص قرار مشاركة العدالة والتنمية في الحكومة؟ ماذا سيقع إذا أدى الحزب ضريبة المشاركة في هذه الحكومة؟ لهذا وجدت الأحزاب لتضعف في الحكم، وتتقوى في المعارضة، وهذه هي لعبة التناوب». قلت له: «إذا سلمت بأن حزبك سيخسر إذا شارك في هذه الحكومة، فأنت تشبه ملاكما فاشلا يقول قبل بداية المباراة: ‘‘وماذا سيقع إذا خسرت؟’’. هذه نفسية مهزوم وليست نفسية منتصر، ثم إن الأحزاب الحقيقية تضعف في السلطة طبيعيا عندما تطبق إصلاحات غير شعبية، أما أن تضعف في حكومات هجينة بسبب عدم تطبيق الإصلاحات، فهذا انتحار».

مسح صاحبنا بيده على ذقنه المشذب بعناية وقال: «بلادنا لا تحتمل مغامرات.. انظر ما يقع في مصر وسوريا وتونس، وغيرها من البلدان، لا أحد في أوروبا وأمريكا يدافع اليوم عن الديمقراطية، ولا عن حق الإسلاميين في الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ولهذا، فإنه من الحكمة أن ننحني للعاصفة، وأن نظل في الحكومة حتى وإن لم تحقق شيئا، فالمغاربة سيتفهمون موقفنا، وسيعذروننا ولو بعد حين». قلت لصديقنا: «العامل الخارجي له تأثير على الداخل، لكن لا تضخمه. المغرب له خصوصية، وقيادة الحكومة فيه ليست مثل رهانات قيادة الرئاسة في مصر.

كلامك هذا يعني أنك تدبر مسار إسلاميين في نظام، ولا تحمل هم المواطنين في دولة.. مشغول بسلامة رأس جماعتك لا بالإصلاح الديمقراطي المتعثر في الوطن… هذا منظور آخر للمسألة. فقط يجب أن تصارحوا المغاربة به، وتقولوا لهم: لقد جئنا للسياسة من أجل تأمين وجود الجماعة، لا من أجل خدمة الديمقراطية»… وللحديث بقية…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوار صريح مع وزير إسلامي حوار صريح مع وزير إسلامي



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca