إفريقيا بيتنا

الدار البيضاء اليوم  -

إفريقيا بيتنا

بقلم : توفيق بو عشرين

في خطاب تاريخي مليء بالعواطف والمشاعر، خاطب الملك محمد السادس أشقاءه الأفارقة من منصة القمة الـ28 للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا، معلنا عودته إلى البيت بعد طول غياب، وسعادته بهذه العودة إلى حضن العائلة التي لم ينسها، ولم يقطع العلاقات معها طوال 33 سنة من مغادرة البيت، ثم صعد من نبرة المشاعر الجياشة، وقال للرؤساء والقادة الأفارقة: «لقد اشتقت إليكم»، فردوا بلا تردد بعاصفة من التصفيق، عنوانا لرد التحية بمثلها.

هكذا أنهى الملك محمد السادس مهمة إرجاع بلاده إلى كرسيها في الاتحاد الإفريقي بنجاح، وقفز بلياقة فوق كل الحواجز التي وضعتها، للأسف، الشقيقة الجزائر ودولة جنوب إفريقيا ومن يدور في فلكهما… سنة كاملة من التحركات الدبلوماسية المكثفة، واللقاءات المباشرة مع زعماء دول لم يزرها أي ملك من ملوك الأسرة العلوية من قبل. كل هذا انتهى بدخول المغرب من الباب الكبير إلى البيت الإفريقي… وبداية صفحة جديدة مع الاتحاد الإفريقي، الذي جرح المغرب بقبول عضوية جمهورية الصحراء المعلنة في الجزائر من طرف واحد… كم كان الخطاب الملكي ذكيا عندما تجاهل هذا الجرح، ولم يشر إليه إطلاقا وكأنه لا يوجد، وهذا ما يعطي مؤشرا قويا على أن العودة إلى البيت الإفريقي ليست، فقط، تكتيكا لمحاصرة البوليساريو، وتضييق مساحة الحركة أمام الجزائر في إفريقيا، بل إن عودة الرباط إلى البيت الإفريقي مشروع رؤية دبلوماسية أوسع وأعمق، هدفها إعادة الانتشار في إفريقيا، والبحث عن شراكات يربح منها الجميع في عالم لا يعترف إلا بالتكتلات الاقتصادية الكبيرة، ولا يسمع إلا صوت الاتحادات.

ثلاثة عوامل وراء هذا النجاح الدبلوماسي الذي حقه المغرب في أديس أبابا؛ أولا هناك الدبلوماسية الملكية التي تمتلك رؤية واضحة للدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب في إفريقيا، ليس فقط للدفاع عن ملف الصحراء، ولكن كذلك لنسج علاقات دبلوماسية ثلاثية الأبعاد، اقتصادية وأمنية ودينية ثقافية، وهكذا في ظرف عشر سنوات صارت المملكة الشريفة ثاني مستثمر في إفريقيا، ووقعت أكثر من 950 اتفاقية مع 44 دولة إفريقية، علاوة على استقبال المهاجرين الأفارقة بكل أريحية في المغرب، ولعب دور الوساطة لتسوية أكثر من نزاع في القارة السمراء، وتبادل الخبرات مع الأشقاء في أكثر من مجال حيوي، وفوق هذا الانضمام إلى الشعار الذي يقول: «إفريقيا للأفارقة»… هذه الرؤية المدعومة بدينامية الجالس على العرش، وميله إلى العمل الميداني، ومتابعة الملفات، أعطت الدبلوماسية المغربية فعالية ونجاعة غير معروفتين عنها.

العامل الثاني الذي ساعد المغرب في اختراق المجال الإفريقي، والعودة إلى مقعده في الاتحاد، ولعب دور نشيط في القارة السمراء، هو الضعف الذي لحق الجزائر في العشر سنوات الماضية، وانكفاؤها على مشاكلها الداخلية، بما في ذلك مرض الرئيس وغياب بديل عنه، ونزول أسعار الغاز والنفط، وبروز صراعات داخلية على السلطة، وعلاوة على كل هذا، تفكك التحالف الثلاثي الذي كان يتشكل من الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا. هذا الثلاثي خرجت منه الأخيرة بكل وزنها الديمغرافي والدبلوماسي، وهو ما جعل العديد من الدول تتحرر من الضغط الذي كانت هذه الدول تمارسه عليها تجاه الملف المغربي.

أما العامل الثالث الذي ساعد المغرب على الرجوع إلى البيت الإفريقي، فهو تغير المناخ الجيو-سياسي في إفريقيا بسبب ظهور جيل جديد من القادة الأفارقة متحرر، نسبيا، من ثقافة الشعارات الكلاسيكية عن دعم «حركات التحرر»، والانحياز إلى الأنظمة الثورية، وتقسيم القارة إلى كتلة تابعة للشرق وأخرى تابعة للغرب. القادة الجدد جلهم صعدوا إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وجلهم يسعون إلى تحقيق التنمية لبلادهم، والبحث عن شراكات مفيدة اقتصاديا وسياسيا خارج التموقعات الإيديولوجية القديمة. هذا المناخ ضيق رقعة الحركة أمام الجزائر، التي انحسر نفوذ دبلوماسيتها، وقلت حقائب دولاراتها لبعض الزعماء لتشجيع أطروحة انفصال الصحراء عن المغرب.

كل هذه العوامل جعلت ميزان القوى الإقليمي يميل لصالح المغرب ضد الجزائر وحلفائها في إفريقيا، وهذا ما بدا واضحا يوم الثلاثاء، حيث اعتلى محمد السادس منصة القمة الإفريقية ساعات بعد قبول عضوية بلاده، وخاطب الأفارقة قائلا: «يمكنكم أن تعولوا على المغرب، الذي لا يسعى إلى الزعامة في إفريقيا كما يقول البعض. المغرب يسعى إلى أن تكون إفريقيا هي الزعيمة»… انتهى الكلام وبدأ العمل.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إفريقيا بيتنا إفريقيا بيتنا



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca