بقلم توفيق بو عشرين
لزيارة الملك محمد السادس للصين عنوان دبلوماسي أولا، وسياسي ثانيا، واقتصادي ثالثا. في خطاب الجالس على العرش، أمام قادة الدول الخليجية، وضع إطارا للصور التي سيلتقطها مع الزعماء الصينيين، أي أن الملك وضع تعريفا لزيارته لبيكين هذا الأسبوع. قال محمد السادس في 20 أبريل الماضي بالسعودية: (المغرب ورغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية بحلفائه، فقد توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شركائه، وفي هذا الإطار تندرج زيارتنا الناجحة لروسيا، كما نتوجه لإطلاق شراكات استراتيجية مع الهند وجمهورية الصين الشعبية التي سنقوم قريبا بزيارتها.. فالمغرب حر في قراراته واختياراته، وليس محمية تابعة لأحد). هذا هو الهدف الأول من زيارة الصين.. البحث عن شركاء جدد خارج محور فرنسا-أمريكا، ومحاولة بعث رسالة إلى واشنطن مفادها أن الرباط ليست محمية تابعة لـ«العام سام» الذي أصبحت مشاعره باردة مع إدارة أوباما، خاصة تجاه أصدقاء أمريكا القدامى، حتى إن واشنطن أقدمت على وضع إصبعها في الجرح المغربي المفتوح منذ 40 سنة في الصحراء، فالمغرب لم يصدق حكاية أن الأمين العام للأمم المتحدة «أخطأ» بوصف الوجود المغربي في الصحراء بأنه احتلال، ولم يصدق أن روس وفيلتمان مجرد موظفين لدى الأمم المتحدة، ولا يطبقان أجندة بلادهما في عملهما إلى جانب بان كي مون.
زيارة الصين، إذن، تدور حول تنويع شركاء المغرب، وبعث رسائل سياسية إلى الأصدقاء تحت عنوان مقولة الجنرال دوغول الذي كان يقول وهو لاجئ عند إنجلترا ومتضايق من تهميش الحلفاء له إبان الحرب العالمية الثانية: «فرنسا لا تعض أصدقاءها، لكنها حريصة علىأن يعرف هؤلاء أن لها أسنانا.. وأسنانا حادة أحيانا».
سيطلب المغرب من الصين موقفا أكثر من حيادي تجاه نزاع الصحراء، أو على الأقل أن تنتبه بيكين، التي تمتلك حق الفيتو في مجلس الأمن، إلى ألاعيب أمريكا وموظفي الأمم المتحدة الذين يريدون الضغط على بعض البلدان بورقة الانفصال المختبئ تحت شعار تقرير المصير، والصين تفهم معنى الانفصال لأنها عانت بسببه في هونغ كونغ ومازالت تعانيه في التبت وفي تايوان (إلى اليوم هناك مكتب مكلف بالشؤون التايوانية في الحكومة الصينية كتعبير عن رفض بيكين لانفصال تايوان).
بعد حديث السياسة الدولية سيأتي حديث الأرقام والمال والتجارة الحرة والتصدير والاستيراد، وهنا تتفتح شهية التنين الصيني لاتفاقيات تبادل حر ومناطق صناعية حرة لتصدير البضائع الصينية إلى إفريقيا التي تمتلك فيها بيكين أسواقا واعدة، وتجلب منها مواد أولية ضخمة لتغذية مصانعها (هناك دول في إفريقيا باعت جل غاباتها للصين، وهناك دول أخرى باعت مناجم ضخمة للحديد والنحاس ومواد أولية أخرى في باطن الأرض للمارد الصيني).
قبل عشر سنوات، جاء الصينيون إلى مدينة طنجة يريدون قطعة أرض هناك في المنطقة الصناعية يقيمون فوقها مصانعهم الضخمة للتصدير نحو إفريقيا وأوروبا، للتغلب على بعد المسافة بين القارتين، وتخفيض كلفة الإنتاج المنخفضة أصلا، ولم يطلبوا شيئا سوى قطعة أرض في طنجة وميناء على البحر الأبيض المتوسط، فتعثرت المفاوضات حول نقطة واحدة وهي الأيدي العاملة، حيث طلب المغرب تشغيل أبنائه في هذه المعامل، فيما أخبر المسؤولون الصينيون المغاربة بأن اليد العاملة التي ستشتغل في هذه المصانع موجودة في السجون الصينية، وأن الحكومة ستنقل المساجين للعمل بالمجان تقريبا في هذه المعامل خارج الحدود، حيث يشتغل العامل الصيني أكثر من 14 ساعة في اليوم وبدون حد أدنى للأجور، وبدون تغطية صحية وبدون نقابة وبدون عقد وبدون تأمين ولا تقاعد.
الصين اليوم موجودة في المغرب، وأغلبية السلع الرخيصة التي يستهلكها الفقراء، وجزء من الطبقة الوسطى، تأتي من الصين، وتدخل إلى البلاد، في الغالب، بشكل غير قانوني، إما عبر الموانئ، أو عبر الصحراء قادمة من موريتانيا، والمطلوب اليوم هو تنظيم هذه السوق وإخضاعها للمراقبة، فإدخال هذه السلع بطريقة قانونية سيسمح لـ«الشينوا» بقدم في سوقنا الصغير، لكن بطريقة لا تقتل الصناعات الخفيفة في البلاد (تخسر صناعة النسيج لوحدها في المغرب حوالي ملياري دولار سنويا بفعل الملابس التي تدخل من الصين عبر التهريب)، لكن، مع ذلك، هناك مصالح يمكن البحث عنها بين بلد صغير واقتصاد صغير وديمغرافيا صغيرة، مثل المغرب (عدد سكان شانغاي يقارب عدد سكان المغرب)، وتنين كبير يمتد لسانه إلى العالم كله بفضل نموذجه الاقتصادي الذي يخلط بين شيوعية النظام السياسي ورأسمالية النظام الاقتصادي، فالصين اليوم لاعب أساسي في الخريطة الدولية، وقد نجح ساسة الصين الجديدة في تحويل ديمغرافية بلدهم العالية (مليار و400 مليون إنسان) من نقطة ضعف إلى نقطة قوة. لقد أخرجت الحكومة الصينية 300 مليون مواطن من الفقر في الـ20 سنة الأخيرة وأدخلتهم إلى خانة الطبقة المتوسطة، وأصبحت الصين اليوم تضم حوالي 30 مليون ملياردير ينفقون على الكماليات، ويعيشون على النمط الأمريكي والأوروبي، وهو ما جعل من سوقها الداخلي ورقة تفاوض كبيرة مع الدول الصناعية الغربية، علاوة على أن صناديقها الاستثمارية في أمريكا وأوروبا تستطيع أن تخلق مشاكل كبيرة للدولة التي تفكر في مس سلامتها وأمنها.
طريق الحرير القديم الذي كان يربط الصين بإفريقيا والعالم العربي مازال سالكا، لكن على أرضية رابح رابح.