بقلم : توفيق بوعشرين
لم يتعرض إخوان عبد الإله بنكيران لاختبار قاس مثل الذي يواجهونه الآن. زعيم ذو شعبية كبيرة في الحزب وخارجه انتهت ولايته ولم تنته مهمته، ورئيس حكومة جديد بدأت مهمته ولم يثبت زعامته. بنكيران اليوم أقوى داخل الحزب من أي قوت مضى، لأنه تحول، في عيون أنصاره، إلى «شهيد حي» قاوم عملية إذلال الحزب، ورفض أن يقايض المنصب الثاني في الدولة (رئاسة الحكومة) بتشكيل حكومة هجينة لا تعكس روح انتخابات أكتوبر، في حين يعاني سعد الدين العثماني، ومن معه، الأمرين لتثبيت أقدامهم. من جهة، يواجهون قواعد الحزب الرافضة لصفقة أبريل، التي نقضت شروط بنكيران لتشكيل الحكومة، وتنازلت عن مخرجات صناديق الاقتراع، ويكابد الطبيب النفسي، من جهة أخرى، مع السلطة التي لا تريده أن يصير زعيما في رئاسة الحكومة، ولا تريده أن يملأ الكرسي الذي تركه بنكيران، لذلك، وضعوه في قفص صغير حتى لا يكبر، وتركوه دون صلاحيات مهمة ودون اعتبار سياسي.
مفارقات هذا المشهد لم تبق محصورة بين شخصين أو قائدين، بل امتدت إلى قراءتين مختلفتين للوضع القائم؛ القراءة الأولى ترى أن الحزب في خطر، وأنه مهدد في مشروعه وهويته وشعبيته، إذا استمر يقود حكومة بلا بوصلة إصلاحية. حكومة جاءت لتقفل القوس لا لتفتح أفقا جديدا لمواصلة الإصلاحات، والحل هو تقليل الخسائر، والحفاظ على وحدة الصف، وفصل رئاسة الحكومة عن رئاسة الحزب، وفتح الطريق أمام بنكيران للاستمرار في قيادة الحزب لولاية ثالثة. هكذا يكون الحزب قد تجنب المواجهة مع الدولة، وفي الوقت نفسه حافظ على هويته، في انتظار فرصة جديدة لرجوع القطار إلى السكة.
القراءة الثانية يتبناها العثماني ومن معه من وزراء، وتقول: إن الحكومة، وإن كان الهامش أمامها صغيرا، فإنها تستطيع أن تفعل الكثير، لكن بدعم من الحزب لا بالابتعاد عنه، وإن الوزراء الملتحين لم يدخلوا إلى الحكومة بقرار منهم ولا بتواطؤ مع خصوم الحزب، وإنهم دخلوا بقرار من الأمانة العامة للحزب، التي قررت التعاطي الإيجابي مع قرار الملك إبعاد بنكيران عن رئاسة الحكومة، وإن الحزب لا يمكن أن يدار برأسين (بنكيران والعثماني)، وإن الدراما التي يصور بها بعض الأعضاء الوضع الحكومي مبالغ فيها، فالعثماني ليس هو بنكيران، ولا تجوز المقارنة بين الاثنين، والمهم في هذه المرحلة العصيبة، حيث لا يتحمس الشرق ولا الغرب لحكومة إسلامية، هو بقاء المصباح قريبا من دار المخزن، فالخروج إلى المعارضة سيقود إلى القطيعة مع المؤسسة الملكية، وكل هذا سينعكس سلبا على أوضاع البلاد، أكثر مما يتصوره المتشائمون من حكومة العثماني.
أصحاب بنكيران، الذين يشتركون معه في قراءة طبيعة المرحلة الصعبة، يرون أن الحزب أخطأ التقدير عندما دخل إلى هذه الحكومة، وأن بعض القادة هولوا من «الخوف من القطيعة» مع الدولة، وأن 80 يوما من إدارة هذه الحكومة الشأن العام تظهر مدى هشاشتها، ومدى السخط الذي خلفته لدى ناخبي العدالة والتنمية خاصة، والرأي العام عامة، وأن كوارث إدارة أزمة الريف تعطي فكرة عن المقبل من الأيام.
الحزب في مفترق الطرق، والدولة ليست بعيدة عما يجري ويدور داخله، خاصة أن بعض قادته أصيبوا بمرض الخوف من الابتعاد عن السلطة وامتيازاتها وحلاوتها، ويحاولون إلباس خوفهم وطمعهم لبوس القراءة السياسية الحكيمة والواقعية، ويضعون إخوانهم، الذين لا يشاركونهم الطموح نفسه والنظرة ذاتها، في خانة الحالات النفسية التي تحتاج إلى علاج، لا إلى أجوبة جدية عن أسئلة مصيرية.