ما لا يجب أن يدخل إلى قاعة الاجتماع

الدار البيضاء اليوم  -

ما لا يجب أن يدخل إلى قاعة الاجتماع

توفيق بو عشرين

إنه أكثر من اجتماع عادي لمجلس وطني استثنائي، وأكثر من تعديل تقني على نظام أساسي، وأكبر من تدبير اختلاف بين قادة المصباح بشأن ولاية ثالثة أو رابعة… إنها محطة مفصلية في حياة حزب العدالة والتنمية تلك التي يتابعها الرأي العام مباشرة من مركب مولاي رشيد بسلا، حيث تجري وقائع التصويت على مستقبل بنكيران في الحزب، وعلى الورقة السياسية لتدبير مرحلة معقدة وصعبة في حياة البلاد وحياة المشهد الحزبي كله.
ما لا يجب أن يدخل إلى قاعة اجتماعات المجلس الوطني ثلاثة أشياء: أولا، ضغوط جهات في الدولة على مناضلي الحزب لتوجيههم للتصويت ضد التمديد لبنكيران، بدعوى أن مصالحهم مع العثماني وليس مع غيره، وأن تيسير إدارة مدنهم تقتضي الابتعاد آلاف الأميال عن بنكيران، تحت مظنة أن «الدولة» لا تريد أن ترى وجه الزعيم مرة أخرى في مقر حي الليمون، وأن بنكيران يجب أن يحال على التقاعد السياسي، ليس لأنه فشل، بل لأنه نجح في ثلاثة انتخابات متتالية، وأصبحت له شعبية كبيرة، وأضحى يقلق التماسيح والعفاريت في بلاد لم تحسم بعد مصير الاختيار الديمقراطي، رغم أنه صار ثابتا من ثوابت الوثيقة الدستورية. هذا الضغط على مناضلي المصباح موجود، وتحرك طيلة الأشهر الماضية سرا وعلانية، من أجل التأثير على استقلالية القرار الحزبي، وتطويع المصباح ليدخل إلى الصف مع باقي الأحزاب التي أصبحت ملحقات للداخلية ولم تعد أحزابا حقيقية.
ثاني شيء يجب تركه خارج قاعة اجتماعات المجلس الوطني للعدالة والتنمية، هو «فزاعة الاصطدام بالقصر»، وهو سلاح يستعمله «تيار الوزراء»، صراحة وتلميحا، والغرض منه هو استبدال القناعة بالخوف، والفكرة بالترهيب، والبرنامج بالهواجس… أصحاب هذا الرأي لا يناقشون الأطروحة الكامنة وراء اختيار التمديد، ولا يقدمون ما يبرر الاستياء الحاصل من «صفقة أبريل» التي جاءت بحكومة هجينة، ولا يعتبرون أشهر البلوكاج، التي انتهت بإزاحة بنكيران، وصمة عار في مسار الإصلاح الديمقراطي. إنهم يقفزون على كل هذه المعطيات، ويصورون للمناضلين أن إعادة انتخاب بنكيران على رأس الحزب تعني إسقاط العثماني من رئاسة الحكومة، وإسقاط عمداء المدن من مناصبهم، وإعطاء الضوء الأخضر لحرب ستأتي على الأخضر واليابس في الحزب… هذه مخاوف قيادات ذاقت طعم القرب من السلطة، ولم تعد قادرة على احتمال ضريبة البعد، وهي مخاوف شخصية وليست تحليلا موضوعيا ولا استشرافيا عقلانيا.
الدولة تعرف، قبل غيرها، أن قتل العدالة والتنمية الآن معناه قتل السياسة، والاتجاه سريعا نحو حكم سلطوي سافر بلا أقنعة، ولو كانت الدولة قادرة على تهشيم المصباح دون قفازات، لفعلت ذلك في انتخابات أكتوبر من السنة الماضية، حيث استعملت كل الأسلحة التي في يدها، لكنها لم تتجرأ على تزوير النتائج النهائية في الصندوق، فهل تتجرأ على حل الحزب، وإدخال 50 ألف مناضل إلى السجن. يجب على المرء ألا يقلل من قدر خصمه، وفي الوقت نفسه إلا يضخم من قوته، حتى لا يصبح مهزوما قبل بداية المعركة، ثم إن العمل السياسي ليس فيه تأمين من جميع المخاطر. مرة قال الراحل المعطي بوعبيد، في لحظة صفاء مع النفس، لقادة حزب الاتحاد الدستوري، الحزب الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب: «مشكلة هذا الحزب الكبيرة أنه لم يجرب السجن، ولا يضع قادته هذا الاحتمال في عقولهم، لذلك، إذا أراد الاتحاد الدستوري أن يكون حزبا عليه، في الحد الأدنى، أن يدخل إلى عقله هذا الاحتمال».
ما لا يجب أن يدخل أيضا إلى قاعة اجتماعات المجلس الوطني، حيث سيتقرر مستقبل الحزب وتوجهه الرئيس في السنوات المقبلة، هو التحلل من الهوية السياسية للحزب، ورفع الراية البيضاء في معركة الإصلاح الديمقراطي، والتدثر بجلباب الجماعة تحت مبرر «الظرف الدولي والإقليمي الصعب»، والخوف من الاحتكاك بالسلطة، والخشية على الدعوة، والوفاء لنهج التعاون، والابتعاد عن منازعة أهل الحل والعقد… هذه مبررات «الدراويش» وليس المناضلين.
إن القبول بهوية سياسية عائمة بلا بوصلة إصلاحية واضحة، ولا التزام ديمقراطي جلي، ولا التزام مع الشعب، معناه الحقيقي أن الحزب لم يكن في مستوى الثقة التي وضعها الناس فيه، وأن نخبه اختارت الدفء في حجر السلطة، في مأمن من الخوف والجوع ونقص الأموال… الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية في كل الانتخابات الماضية، لم يفعلوا ذلك لأن مناضلي الحزب يصلون ويحجون ويقرؤون القرآن ويطلقون اللحى، والذين سلموا إدارة جل المدن لأصحاب بنكيران لم يفعلوا ذلك لأن هؤلاء عباقرة، أو أطر أو أعضاء في حركة التوحيد والإصلاح. المغاربة الذين وضعوا ثقتهم في المصباح فعلوا ذلك لأنهم توسموا فيه الشجاعة والجرأة للتصدي للفساد والاستبداد، كما كان يقول الشعار الانتخابي للعدالة والتنمية. الذين صوتوا للعدالة والتنمية جلهم كان يريد معاقبة التحكم قبل أي شيء، فإذا اختار الحزب أن يغير «المعطف» في الطريق، وأن يغير التوكيل الذي منحه الشعب إياه، فإن مصيره معروف، ويكفي أن يطل المرء على مقرات الأحزاب التي سبقت البيجيدي ليعرف المآل… إن إعادة انتخاب بنكيران، بما يتوفر عليه من أوراق رابحة (زعامة كاريزمية، حصيلة مقبولة في الحكومة، قوة في الخطاب والتواصل، شرعية أخلاقية، نتائج انتخابية مشجعة)، مقدمة لإيجاد حل، وليست حلا للورطة التي تعيشها البلاد والحزب الآن.
علق أحد السياسيين على المعادلة التي يوجد فيها حزب العدالة والتنمية اليوم بطريقة تجمع بين الجد والهزل، فقال: «ذا صوت أصحاب البيجيدي لصالح بنكيران، سيتخاصمون مع المخزن ويتصالحون مع الشعب، وإذا صوتوا للعثماني، فسيتصالحون مع المخزن ويتخاصمون مع الشعب،» فعلق عليه آخر بالقول: «هذا صحيح لكنه ناقص، وعليك إضافة أن الخصام مع المخزن يمكن أن يمر وتحل مكانه المصالحة، أما الخصام مع الشعب فهو نهائي ولا تعقبه مصالحة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما لا يجب أن يدخل إلى قاعة الاجتماع ما لا يجب أن يدخل إلى قاعة الاجتماع



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca