زعيم من ورق

الدار البيضاء اليوم  -

زعيم من ورق

بقلم - توفيق بو عشرين

منذ مجيئه إلى الساحة السياسية، قبل عقدين أو أقل، وهو ينتج الضوضاء عوض المعنى، البوليميك عوض الحوار، الهدم عوض البناء، الاستفزاز عوض التواصل، الكذب عوض الصدق، القوالب عوض المعقول، الضرب تحت الحزام عوض المواجهة المباشرة، الاختباء وراء أسوار القصر عوض الاعتماد على النفس، اللعب على أعطاب الحياة السياسية عوض إنتاج مشروع مجتمعي.. جمع المال عوض جمع الأفكار أو الطاقات أو المواهب.
هذا هو إلياس العماري باختصار، الذي لا يخرج من ورطة حتى يدخل أخرى جديدة، والغرض أن يبقى تحت الأضواء ولو كانت أضواء حارقة… لا يمر أسبوع دون أن يجد نفسه وسط «بوليميك جديد»، سواء كان الحدث سعيدا، مثل تأهل المنتخب المغربي إلى كأس العالم، أو حدثا حزينا مثل محاكمة شباب الريف اليوم. يقول دفاع الزفزافي إن ابن خديجة كان يحرض الزفزافي على صب المزيد من الزيت على نار الحراك، حتى تصل الحرارة إلى المشور السعيد. وإذا كانت الحكمة تفترض انتظار نتائج التحقيق، الذي وعدت النيابة العامة بفتحه بشأن تصريحات دفاع الزفزافي، فإن استرجاع شريط الأحداث، من يوم مقتل محسن فكري في أكتوبر 2016 إلى اليوم، يكشف، بما لا يدع مجالا للشك، أن إلياس العماري وحزبه حاولا، في الحد الأدنى، الركوب على الحادث المأساوي، وتوظيفه تجاه الدولة قبل الحكومة، فأول بيان صدر، حتى قبل دفن بائع السمك وقبل معرفة تفاصيل الحادث، كان بيان البام في الحسيمة يحمل الحكومة ووزارة الفلاحة والصيد البحري المسؤولية عما جرى، كما أنه حرض مناضليه على الخروج إلى الشارع للاحتجاج السلمي، حتى قبل أن تظهر نتيجة التحقيق. هذا ليس سلوك حزب سياسي يشتغل من داخل المؤسسات.. هذه تصرفات مغامر يريد أن يستعمل الريف منجنيقا لقذف الحجارة على الدولة عندما لا تساير خططه ولا تلبي رغباته.
أزعم أن إلياس العماري، وبعدما فشل هو وحزبه والوالي جلموس في اقتلاع حمدي ولد الرشيد من الصحراء، فهم سر قوة عائلة آل الرشيد، لذلك، عمد إلى تقليدها في الريف، وبناء قاعدة سياسية هناك مبنية على العصبية العرقية وعلى المال وعلى شبكة من العلاقات. ولم يكن ينقص سوى تحريك بعض النزعات الشوفينية والانفصالية حتى تكتمل الطبخة، ويخرج الريف عن سيطرة الدولة لفائدة نفوذ العماري، لذلك، وبمجرد ما لاحت أمامه فرصة الحراك حتى عمد إلى الركوب عليه سرا وعلنا، لهذا، على الوكيل العام للملك في البيضاء استدعاء الزفزافي والعماري إلى مواجهة مفتوحة عند الضابطة القضائية وعند قاضي التحقيق، مادمنا أمام اتهامات جنائية كبيرة، ليعرف المغاربة الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة.
منذ أعلن البيجيدي فائزا في انتخابات أكتوبر، فقد إلياس عقله، وحاول، في اليوم الموالي لإعلان نتائج الاقتراع، قيادة انقلاب سياسي برفع ملتمس إلى الملك تعلن فيه أحزاب «الكارتون» عدم نيتها التحالف مع بنكيران. وبعد فشل هذه الخطة، بدأ إلياس يخبط خبط عشواء، حتى جاءت الأوامر إليه بالاستقالة، ثم التراجع عن الاستقالة، ثم زعزعة البام، وخلق البلبلة في مشهد سياسي بئيس لم يعد يغري عاقلا بمتابعة عروضه البهلوانية.
لقد اكتشفت الدولة متأخرة أنها دفعت مهرا غاليا في عريس من ورق، وأن الرهان عليه لبناء حزب يواجه العدالة والتنمية فشل، وأن الرهان عليه ليكون ناطقا باسم الريف فشل، وأن الرهان عليه ليلعب دور المعارضة في البرلمان فشل، وأن الرهان عليه ليلعب دور مكبر صوت للسلطة في الساحة الإعلامية فشل، وأن الرهان عليه لاستقطاب الشباب إلى العمل السياسي فشل، وأن الرهان عليه لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية فشل، وأن الرهان عليه لتحريك الإيديولوجيا اليسارية لتعاكس الإيديولوجيا الأصولية فشل، وأن الرهان عليه لخلق نخبة جديدة لتسيير المجالس المنتخبة فشل، لكن، في كل هذه السلسلة من الإخفاقات، كان فشل ابن الريف هو سر نجاحه!
مهندسو العهد الجديد لم يخترعوا شيئا جديدا عندما اختاروا صناعة حزب إداري جديد في مطبخ الداخلية، وتأثيثه بوجوه يسارية متقاعدة عن النضال، لكن الجديد في خطتهم هذه لمنع تطور الديمقراطية المغربية، أنهم اختاروا نماذج صغيرة وبهلوانية، لا تمت بصلة إلى وجوه الحسن الثاني، من أمثال اكديرة وأحرضان وعصمان والمعطي بوعبيد وعز الدين العراقي وامحند العنصر… يبدو أن المغاربة سيترحمون على هؤلاء رغم أدوارهم غير النظيفة في التجربة المغربية، إذا ما قورنوا بالكراكيز التي ترقص فوق مسرح لم يعد ينتج كوميديا ولا دراما، بل بؤسا سيكون له ما بعده طال الزمن أم قصر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زعيم من ورق زعيم من ورق



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca