لا تعبثوا مع المدرسة

الدار البيضاء اليوم  -

لا تعبثوا مع المدرسة

بقلم - توفيق بو عشرين

توقفت أعصاب سعد الدين العثماني عن تحمل التوتر العالي الذي يحيط به في المشور السعيد وفي حي الليمون، وأصبح الغضب يلازم رئيس الحكومة أغلب الأوقات، وهذا طبيعي لأن الطبيب النفسي، مهما كان طبعه هادئا، فإن الأمواج الهادرة من حوله والألغام الكثيرة تحت حذائه، تخرجه عن طوره، والمشكل أن لا أحد يستطيع مساعدته لأنه هو نفسه لا يساعد حاله.

يوم الخميس، جمع العثماني الأمانة العامة لحزبه وبعض البرلمانيين وأعضاء من شبيبة المصباح، وحاول أن يُطفئ النيران التي اندلعت في محيطه، بعد إعلان القانون الإطار حول إصلاح التعليم، الذي بدأت الحكومة تدرسه استعدادا لنقله إلى المجلس الوزاري للمصادقة عليه، ومن ثمة دفعه إلى البرلمان… العثماني بدا متوترا، ومنع حزبه من مناقشة الاختيارات السياسية الموجودة خلف القانون الإطار، وطلب من المتدخلين من أبناء حزبه مقترحات تقنية! فهو لا يريد أن يسمع خطاب «ضرب المجانية في التعليم سيضرب ما تبقى من شعبية الحزب»، ولا يريد أن يسمع من يسأل عن «سبب تأخر التعديل الحكومي»، ولا يريد سماع صوت يقول: «هل من الصواب أن تناقش الحكومة أهم قانون هذه السنة في غياب الوزير المعني؟».

العثماني يتصرف كتقنوقراطي ينفذ التعليمات، ومادام القانون الإطار جاء من المستشار الملكي عمر عزيمان، ومادامت خطة إصلاح التعليم في عشرية 2015/2025 قد حظيت بموافقة الملك، فما على الحكومة إلا تنفيذها بالنقطة والفاصلة… هذا هو سعد الدين العثماني، وهذه هي خريطة طريق العدالة والتنمية في نسخته الجديدة.

لماذا أثيرت كل هذه العواصف حول نقطة واحدة من القانون الإطار حول إصلاح التعليم، وهي المتعلقة بمراجعة المجانية المطلقة في قطاع التعليم العمومي، والتي ينظر إليها الكثيرون كمكسب طبقي لا يجوز التفريط فيه مهما كانت المبررات؟ التعليم جرح مفتوح منذ عقود في الجسد المغربي، وكل الوصفات التي وضعت لعلاجه فشلت، بما في ذلك ميثاق بلفقيه 1999/2009، وبما في ذلك البرنامج الاستعجالي الذي صرفت عليه الدولة 40 مليار درهم، وبما في ذلك كل البريكولاج الذي تم إلى حد الآن. التعليم يمتص ربع الميزانية، والنتيجة كارثية يعرفها العام والخاص.

المدرسة العمومية توقفت عن أداء وظائفها على كل الأصعدة. هل تحتاج الدولة إلى موارد مالية جديدة للنهوض بقطاع التعليم، خاصة الجامعي الذي دخل إلى نفق مسدود؟ الجواب هو نعم، لكن ليس المال وحده هو المطلوب لإعادة إحياء التعليم. المطلوب أيضا حكومة قوية تدافع عن إصلاحات صعبة وغير شعبية، لكنها مطلوبة، ووزير كفء بصلاحيات واسعة، وخطة لإعادة تكوين إطار المدرسين الذين أصبحوا حجرا في حذاء المدرسة العمومية.

إصلاح التعليم في حاجة أيضا إلى استراتيجية لفرض الانضباط في المدارس والأقسام، واستعادة هيبة العملية التربوية وما حولها، ودفتر تعاقد مع الأسر التي تدفع أبناءها إلى المدرسة، وتعتبر أن الأمر انتهى، علاوة على الانفتاح على المناهج الحديثة في التعليم، وتنويع العرض التربوي بين نظري وعملي، مع شبكات للتقييم موضوعية وعلمية تتحرك كل سنتين أو ثلاث… أما موضوع رفع المجانية عن التعليم تدريجيا، فهذا أمر لن يحل المشكلة، بل سيسقط التعليم العمومي في مشاكل كثيرة أخرى، حيث سيصير مبنيا على الأداء وليس على الاستحقاق، مع استثناءات قليلة سيعفى فيها بعض أبناء الفقراء، لكي نفرغ جيوب الطبقات الوسطى مما تبقى فيها من مال، إن بقي فيها شيء.

لن نخترع العجلة مرة أخرى، أمامنا التجارب الناجحة والفاشلة حول العالم في تعليم لا مجانية فيه، خذ مثلا بريطانيا، حيث التعليم العالي بالأداء للفقراء والأغنياء، وكل جامعة أو معهد بثمن، وبشروط علمية للولوج، ماذا يفعل الإنجليز؟ يدفعون الطلبة إلى تمويل دراستهم في الجامعات والمعاهد عن طريق قروض للدراسة، يؤدون بها ثمن أقساط الجامعة، ويرجعونها إلى البنك بضمانة الدولة بعد سنوات من اشتغالهم، وبنسبة فائدة ضعيفة جدا، وعلى دفعات طويلة، بشرط أن يتجاوز راتبهم بعد العمل قدرا معينا. ليس هذا فحسب، بل تعمد الدولة إلى صرف منح متفاوتة للطلبة من أجل السكن والأكل حسب مدخول العائلة، وحتى لا ترهق الأسر، فيصبح الطالب يدرس بقرض، ويعيش بمنحة، فيما عائلته لا تصرف عليه إلا القليل حسب مستواها المادي. فوق ذلك التعليم مبرمج على سوق الشغل، والدولة تنوع برامج التكوين وإعادة التكوين والتأهيل لولوج عالم الشغل.

إذا كانت الحكومة ستخصص نظاما للقروض للطلبة لتمويل رسوم الدراسة في كلية الطب أو الهندسة أو الاقتصاد أو الحقوق أو الآداب أو الإعلام، ثم تصرف لهم منحة محترمة للعيش، ثم تضمن الجودة وفرصا حقيقية لولوج سوق الشغل، فمرحبا بإزالة المجانية، لكن بشرط أن تقوم الدولة بواجبها «قم أو طلق»، كما يقول قانون الزواج غير المكتوب، أما أن يرفع القانون الإطار المجانية عن التعليم الثانوي والعالي دون بدائل لتمويل الرسوم، ودون جهد لمواءمة الشهادات مع سوق الشغل، فهذا إجهاز على ما تبقى من فرص للارتقاء الاجتماعي يوفرها نظام التدريس المجاني، على علاته.

رجاء احذفوا عبارة «الأسر الميسورة» من مشروع القانون الإطار، فهذه الأسر قليلة العدد في المغرب، ولا ترى بالعين المجردة، وأبناء الميسورين لا يزاحمون الفقراء في مدارس الدولة ولا في جامعاتها، في بلاد يوجد بها 12 مليون فقير، و40% من البطالة في صفوف الشباب المتعلم، حتى الأسر الميسورة لا تبقى ميسورة، لأنها تقتسم ما عندها مع الفقراء من ذويها، في ما يسمى «نفاقا» التضامن الاجتماعي. انتبهوا.. الإصلاح الجزئي يقود إلى الفساد الكلي، والذي لا يرى من المشكلة إلا نصفها، يسقط في النصف الآخ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تعبثوا مع المدرسة لا تعبثوا مع المدرسة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca