بقلم : توفيق بو عشرين
سامح الله من دفع عزيز أخنوش ليلعب فوق مسرح السياسة أدوارا أكبر منه، فلا يمكن للإنسان إلا أن يتعاطف مع الرجل وهو يراه يكابد من أجل ملء مقعد أكبر منه، وظني أن الملياردير سوف يندم لأنه لم يعرف كيف يعتذر عن الدور الذي أعطي له، وبيننا الزمن.
أصبح كاتب هذه السطور ضيفا غير مرحب به في جل خطب عزيز أخنوش الركيكة وجمله المفككة، ولغته التي لا هي عربية ولا هي فرنسية ولا هي أمازيغية. يوم السبت الماضي خصص لجريدة «أخبار اليوم» ولمدير نشرها حصة «محترمة» من السب والقذف والتهجم وكلام الصحافة الصفراء، وقال: «إن ذاك الصحافي الذي تعرفونه لا شغل له إلا حزبنا، وإنه يكذب على المغاربة، وإنه كاري حنكو لحزب العدالة والتنمية (لم يسمه)، وإنه تهجَّم على خمسة منسقين جهويين، كل واحد فيهم سيحصل في الانتخابات المقبلة على 40 ألف صوت وأكثر»، وختم حفل «المعيار» هذا بنصائح غالية لهذا العبد الضعيف، حيث نصحني الملياردير «بالاختيار بين السياسة والصحافة، وعدم الخلط بينهما»، وأنا أقبل نصيحة «مول الغاز»، ولكن بعد أن يجيبني عن بعض الأسئلة التي لا أجد لها جوابا، أما حكاية السب والقذف، فسيتكفل بها محامو الجريدة أمام القضاء.
أنا أقبل أن أنزع جبة الصحافي وألبس رداء السياسي، لكن أخبرني، أسي عزيز، أي سياسة سأختار.. هل تلك السياسة التي دفعتك إلى أن تلتحق بحزب التجمع الوطني للأحرار في الربع ساعة الأخير قبل إعلان لائحة حكومة عباس الفاسي، وقد كنت، في نهار اليوم نفسه، وزيرا على لائحة الحركة الشعبية، ثم لما جرى سد الباب في وجه العنصر قفزت إلى ظهر الحمامة، ولما قضيت منها وطرا طيلة خمس سنوات نزلت، ثم رجعت تقنوقراطيا إلى وزارة الفلاحة في حكومة عبد الإله بنكيران، وتعهدت أمام الناس بعدم ارتداء أي قميص سياسي، ثم لما انتهى زمن الحكومة، ومني الأحرار بهزيمة مدوية في الانتخابات الأخيرة، رجعت وتسلمت رئاسة الحزب دون سابق إنذار، ولا حتى بطاقة انخراط، وكأنك اشتريت بيتا مجهزا على طريقة «clé en main».
هل هذه هي السياسة التي تريدني أن أقوم بها.. سياسة القفز فوق الألوان والانتماءات، بدون منطق ولا مرجعية ولا مشروع؟
وعلى فرض أن المغاربة لا ذاكرة لهم، فهل يمكن أن تشرح لهم ولعلماء السياسة كيف صرت كفيلا لحزب الاتحاد الاشتراكي، تدافع عنه أكثر مما يدافع عنه أبناؤه، وتضع دخوله إلى الحكومة شرطا واقفا على مشاركة حزبك في حكومة بنكيران الثانية. أنا أعرف أحزابا تضع شروطا برنامجية وسياسية لكي تدخل إلى حكومة ائتلافية، لكني لا أعرف حزبا رأسماليا يشترط أن يدخل تحت إبطه إلى الحكومة حزبا اشتراكيا، وإلا فلا حكومة ولا ائتلاف ولا هم يفرحون.
دعك من كل هذا، وأخبرنا يا سيد أخنوش هل من السياسة أن تدعم في الانتخابات الأخيرة مرشحين من حزبين مختلفين وأنت مستقل.. أن تدعم في الجبل مرشح البام وفي السهل مرشح الأحرار؟ هل من السياسة أن تعترض على التحاق حزب الاستقلال بالأغلبية الحكومية دون مبرر، وحتى قبل زلة شباط في موضوع موريتانيا؟ وهل من السياسة أن تشترط على رئيس الحكومة، وحتى قبل تشكيل الأغلبية، الامتناع عن صرف الدعم المباشر للفقراء حتى لا تلغي الحكومة المقبلة 13 مليار درهم التي تصرفها لصندوق المقاصة لدعم الغاز؟ ثم، يا سيد أخنوش، هل من السياسة أن تكتري شركتك (Akwa Immo) منزلا لوزير الطاقة والمعادن، عبد القادر عمارة، لمدة أكثر من سنة في إقامة «ما شاء الله» في الرباط، وأن تدفع مكانه سومة الكراء في انتظار اكتمال بناء شقته، وهو وزير مسؤول عن قطاع تستثمر فيه شركة «أكوا»، والمقصود قطاع المحروقات الذي تنظمه وزارة عمارة؟ ألا يحتمل الأمر وجود شبهة تضارب مصالح؟
هل هناك عاقل في هذه البلاد يقول لأخنوش إنك تلعب لعبة خطيرة، ويجب أن تكتفي بإدارة واحدة من أكبر الإمبراطوريات الاقتصادية في البلد، هولدينغ يستثمر في المحروقات المدعمة من قبل الدولة، وفي العقار، وفي الإعلام، وفي الاتصالات، وفي غيرها من المجالات الموزعة على أكثر من 66 شركة، وفوق هذا فأنت، يا سيد أخنوش، تدير وزارة الفلاحة والصيد البحري لمدة 10 سنوات، وتتحكم في عدة مليارات من الدولارات موزعة على مخطط المغرب الأخضر، واليوتيس، ومعها مليارات صندوق دعم العالم القروي. فهل يمكن لشخص واحد، وبغض النظر عن مؤهلاته وكفاءته، أن يلعب كل هذه الأدوار، وفوقها يدير حزبا سياسيا أخذ على عاتقه دورا أكبر منه، وتكفل بهندسة البلوكاج، وتوقيف خروج الحكومة لمدة خمسة أشهر، والتحكم في مصير 34 مليون مغربي.
أعرف أنك لم تعتد نقد الصحافة لك، وقد كنت على الدوام تجد طريقة للتعامل معها، وأن الإعلام الذي تموله لا علاقة له بالإعلام المهني الذي تنصحنا باتباعه، وأعرف أنك تستعمل كل الأسلحة التي تحت يديك لمحاربة هذه الجريدة وكاتب هذه السطور (وسنكشف ذلك بالأدلة قريبا)، وأعرف أنك لا تستطيع أن تجيب بالعقل والحجة عن انتقاداتنا لمخططك السياسي، وقد ظهر عاريا أمام الناس، ولهذا تلجأ إلى اتهامنا بالتبعية لحزب بنكيران، لأن هذه هي حجة الضعيف الذي لا يناقش الحجة بالحجة، بل يلجأ إلى الاتهامات وإلى التخوين وإلى التشكيك دون دليل. نحن، يا سيد أخنوش، ندافع عن احترام المنهجية الديمقراطية في تشكيل الحكومة، وعن احترام نتائج الاقتراع، وعن توقير استقلالية الأحزاب، وعن صيانة الاختيار الديمقراطي المنصوص عليه في الدستور، أما حكاية التمويل، فأنت تعرف، والدولة تعرف، أين يوجد المال السياسي الذي يشتري الولاءات وخطوط التحرير والذمم، وأين تقع الدجاجات التي تبيض ذهبا، وهي، قطعا، ليست في مقر الليمون، ولا بين أحضان معلمي البيجيدي، الذين يطلق عليهم الفايسبوكيون «الباجدة».
وما نكتبه اليوم، من آراء ومعلومات وحقائق، سيبقى مسجلا للتاريخ، أما أنت وأمثالك فعابرون في سياسة عابرة.
المصدر : جريدة اليوم 24