أكديم إيزيك جرح مفتوح

الدار البيضاء اليوم  -

أكديم إيزيك جرح مفتوح

بقلم : توفيق بو عشرين

انطلقت، صباح أمس الاثنين، أولى جلسات محاكمة المتهمين في ملف «أكديم إيزيك» بملحقة سلا، التابعة لمحكمة الاستئناف بالرباط، بعدما ألغت محكمة النقض الحكم السابق الذي صدر في حق المتهمين في المحكمة العسكرية قبل ست سنوات. الرجوع إلى محكمة عادية جاء بعد التعديل الذي طال القانون الجنائي المغربي، والذي منع عرض المدنيين على محكمة استثنائية، مثل المحكمة العسكرية، حتى وإن تورطوا في حمل السلاح أو الاعتداء على القوات المسلحة الملكية، أو شكلوا مليشيات مسلحة. القضاء العسكري لا ضمانات للمحاكمة العادلة أمامه، لهذا أرجعت محكمة النقض المتهمين الـ24 في مجزرة أكديم إيزيك إلى محكمة الاستئناف بالرباط لإعادة محاكمتهم من جديد مع كل ضمانات المحاكمة العادلة.
 
أكديم إيزيك جرح مازال مفتوحا لأن وراءه 11 عائلة فجعت في أبنائها العسكريين، الذين ذبحوا كما تذبح الخراف يوم العيد، وهم يهمون بتفكيك مخيم مسلح في الصحراء بدون سلاح. أكديم إيزيك دخل تاريخ تفكيك المخيمات المسلحة بدون سلاح، وباعتباره سابقة من نوعها، حيث قُتل العسكريون بيد المدنيين وليس العكس. ولأن أوامر من الرباط صدرت للجيش والدرك والأمن والقوات المساعدة بتفكيك المخيم دون إراقة قطرة دم واحدة، وإرجاع الأمور إلى نصابها دون حوادث اصطدام، فقد حدث ما حدث.. سقط 11 عسكريا في معركة غير متكافئة، بل وصلت جرأة وهمجية المتورطين في المجزرة إلى حد التبول على الجثث، والإمعان في تشويهها، حتى تصل الرسالة إلى 34 مليون مغربي يدفعون، منذ 41 سنة، ضريبة كبيرة لبناء الصحراء وتعميرها، وزرع الحياة بين كثبان رمالها.
 
المطلوب اليوم ليس فقط محاكمة المتهمين محاكمة عادلة للقصاص منهم وفق مبادئ العدالة والإنصاف.. مطلوب كذلك محاكمة سياسة الدولة التي لم تكن حازمة ولا مسؤولة في تدبير ملف أكديم إيزيك، وكيف تحول من حادث اجتماعي إلى ملف سياسي، إلى بؤرة توتر عسكري.
 
عندما يرجع الإنسان شريط الذكريات إلى الوراء، ويرى الانحراف الذي وقع في تدبير الملف، يقف على ثلاثة أخطاء أو قل خطايا كبيرة:
 
أولا: جرى التخلي عن القنوات الرسمية لتدبير الملف، وهي الحكومة أولا، ووزارة الداخلية ثانيا، والأجهزة الأمنية ثالثا، والدرك الملكي رابعا، والقوات المسلحة الملكية خامسا، وجرى تكليف شخصيات سياسية باعت الوهم للدولة، وانتصبت لحل نزاع معقد بوسائل سياسية ومالية، وكل هذا أخذ وقتا استغله الانفصاليون لتنظيم المخيم وتسليحه وتوسيع رقعته، وفي النهاية قدم العسكريون دماءهم للتغطية على أخطاء السياسيين.
 
ثانيا: الذي يرجع إلى تفاصيل الحادث يقف على حقيقة أن مخيم أكديم إيزيك هو نتيجة الصراع الذي كان محتدما في الصحراء بين حزب الأصالة والمعاصرة، وأداته آنذاك الوالي جلموس، وعائلة آل الرشيد، وأداتهم حزب الاستقلال ورئيس المجلس البلدي حمدي ولد الرشيد. وكأي نزاع مفتوح في مناطق التوتر، خرجت أطواره عن التحكم، ودخل التيار الانفصالي على الخط، وحول صراعا سياسيا بين الجرار والميزان إلى بؤرة توتر كبيرة، كان الغرض منها بناء موطئ قدم للانفصال في رمال الصحراء، واستعمال المدنيين أذرعا بشرية تمنع أي تدخل عسكري، وإذا وقع تكون كلفته عالية، ومن ثم يتحول إلى مشروع «جريمة ضد الإنسانية» في منطقة متنازع عليها.. «وفكها يا من وحلتيها».
 
ثالث الأخطاء التي وقعت في تدبير هذا الملف هو التأخر في تفكيكه، حيث لم يكن في البداية سوى تجمع صغير للغاضبين من توزيع أراضي العمران والعاطلين عن العمل في مدينة العيون، ثم بدأ يكبر مع التأخر الذي حدث في علاجه ،ودخول الانفصاليين على الخط، وانتظار تسوية سياسية كان من باب «السذاجة» التعويل عليها. ولأن المعلومات الدقيقة لم تصل إلى مركز القرار، ولأن الدولة لم تكن على علم بحجم الأسلحة التي كانت في المخيم، ولا حجم الحقد الذي تجمع في صدور الانفصاليين، ولا درجة التنسيق التي كانت جارية مع مليشيا البوليساريو وراء الجدار الأمني، فإن كلفة التدخل كانت عالية في الدم وماء وجه الدولة التي تمرغت كرامتها في الوحل.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكديم إيزيك جرح مفتوح أكديم إيزيك جرح مفتوح



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:56 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:15 2020 السبت ,16 أيار / مايو

بريشة : هارون

GMT 22:06 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية التعامل مع الضرب والعض عند الطفل؟

GMT 00:54 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم"يكشف تفاصيل أزمة محمد رشاد ومي حلمي كاملة

GMT 20:23 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 22:59 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت تزيين الطاولة للمزيد لتلبية رغبات ضيوفك

GMT 16:49 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

العراق يستلم من إيطاليا تمثال "الثور المجنح" بعد ترميمه رسميًا

GMT 08:07 2017 الأربعاء ,16 آب / أغسطس

شبكات التواصل بين السلبي والإيجابي

GMT 02:07 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

كواليس عودة " عالم سمسم" على الشاشة في رمضان
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca