المصباح في مهب الريح

الدار البيضاء اليوم  -

المصباح في مهب الريح

بقلم : توفيق بو عشرين

طنجرة العدالة والتنمية تغلي بشكل غير مسبوق، وصوتها بدأ يسمع من بعيد، فمناضلو المصباح لم يكادوا يبتلعون الإطاحة برأس زعيمهم، حتى توالت تنازلات العثماني، رئيس الحكومة المكلف، الذي عمد إلى إدخال الاتحاد الاشتراكي إلى الأغلبية، بعدما كان الحزب كله يرفض مناورات إدريس لشكر، ثم خضع لشروط أخنوش، بعدما قاوم بنكيران لخمسة أشهر وزيادة ضغطا هائلا لدفعه إلى التنازل، واستسلم الطبيب النفسي لإزاحة مصطفى الرميد من وزارة العدل والحريات دون أن يكمل مشروع الإصلاح على أرض الواقع، ثم قبل العثماني فوق هذا كله إدخال «خادم الدولة الكبير»، عبد الوافي لفتيت، وزيرا للداخلية. لفتيت الذي توجد في سيرته الذاتية CV نقطتان مثيرتان للجدل؛ أولا حيازته، السنة الماضية، 3500 متر من أراضي الدولة بثمن بخس في طريق زعير لا يتعدى 350 درهما، في صفقة ريعية تتحدى مشاعر الناس، وتضحك على ذقن مشروع «صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد»، والنقطة الثانية التي يفتخر بها وزير الداخلية المقبل، في الثلاث سنوات التي جاء فيها من الناظور إلى الرباط، هي أنه تحول إلى «خصم سياسي» لمنتخبي العدالة والتنمية الذين اختارهم الشعب لإدارة مدن الرباط وسلا وتمارة وغيرها، حتى إن سعادة الوالي خسر معظم القضايا التي رفعها حزب المصباح ضده في المحاكم، ببساطة لأن خريج مدرسة الطرق والقناطر بباريس يعرف كيف يهدم ولا يعرف كيف يبني، وهو نفسه يفتخر بهذا الطبع، الذي أوصله اليوم إلى قيادة أم الوزارات، فقط لأن المرحلة تقتضي «قَص الأجنحة».

مجمل هذه التنازلات، التي لم يشرك فيها الدكتور العثماني حزبه، ولم يتقيد فيها بتوجيهات المجلس الوطني وبلاغات الأمانة العامة، علاوة على أن جزءا كبيرا من الرأي العام لم يقبلها، كما هو ظاهر من تدوينات الفايسبوك وتعليقات الشباب، كل هذا حبس البخار في الطنجرة، وزاد من الضغط تواري العثماني إلى الخلف، وعدم خروجه إلى الرأي العام لشرح ما يجري، والدفاع عن موقفه، فالطبيب معروف عنه أنه يسكت حيث يجب أن يتكلم، ويعتبر أن الصمت حكمة، وإذا تحدث، فإنه لا يفصح عما يجول في تفكيره.

بدأ النقاش سياسيا وسط الغاضبين حول تنازلات غير مبررة، وارتخاء سياسي غير مفهوم، وإدارة مفاوضات خارج أي قواعد، ثم بدأ هذا النقاش يتجه إلى أن يصير أخلاقيا، يطرح سؤال الوفاء لمشروع الحزب من عدمه، والخلط بين مصلحة البلاد والحزب والديمقراطية، من جهة، وشهوة الفرد ونزوعه إلى السلطة، من جهة أخرى.

أما الحملة التواصلية لثقافة التبرير، التي تجتهد في تضخيم اختلال ميزان القوى، دون قراءة دقيقة لكل الأوراق الموجودة لدى كل طرف، فتزيد من تعقيد المشكلة.. الثقافة التي ترعب الناس من خطورة القطيعة مع الدولة، في حين لا تلتفت إلى مخاطر القطيعة مع المجتمع. ثقافة التبرير هذه لا ترى بالعين المجردة كل الحقائق على الأرض، ولا تستوعب حجم التغييرات التي طرأت على المجتمع المغربي في العشر سنوات الأخيرة، ولا تلتفت إلى دروس تاريخ الأحزاب بالمغرب، بل تنزع إلى المواقف السهلة التي تجاري هوى النفوس، ولا تستحضر حاجة البلاد إلى خطة إنقاذ ديمقراطية وتنموية، وحاجة الاستقرار إلى أحزاب قوية، تقول لا في الوقت المناسب، أما نعم، فالجميع يقدر عليها.

العثماني في موقف حرج للغاية، وهو يدخل إلى تجربة معقدة جدا، فلا حزبه سيساعده، لأنه يراه يتجاوز الخطوط الحمراء التي خطها بنكيران، الذي مازال رئيسا للحزب وزعيما لهذا التيار السياسي، ولا الرأي العام سيعذر العثماني لأن الناس تعبوا من لعبة «سيزيف» في كل مرة، ولا الدولة ستساعد العثماني لذا أرادت له أن يلعب دور «بنعرفة» الذي حذر منه الرميد، قبل أن يصير وزيرا بحقيبة فارغة في مشهد يبعث على الحزن.

لقد بدأت الأصوات ترتفع من داخل قلعة العدالة والتنمية تدعو إلى الحد من الخسائر، وفصل قيادة الحكومة عن قيادة الحزب، وتموقع المصباح في ما يشبه المساندة النقدية للحكومة المقبلة، مادامت هذه الأخيرة لا تعبر عن إرادة الحزب، ولا عن برنامجه، ولا عن تطلعات الشارع، ومادامت المشاركة فيها لم تخضع لتوافق عريض في مؤسسات الحزب.

حزب العدالة والتنمية جاء إلى السياسة من الدعوة، ولهذا، فإن ثقافته التنظيمية تعلي من شأن الوحدة وتنبذ الفرقة، وتعتمد آليات عدة لطبخ القرارات الصعبة حتى لا تؤدي إلى انقسامات وانشقاقات. إلى أي حد ستصمد هذه الآليات أمام هذه الرجة العنيفة؟ هذا ما سنراه في الأيام المقبلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصباح في مهب الريح المصباح في مهب الريح



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 00:00 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين عموتة يحصل على راتب 50 ألف درهم في العقد الجديد

GMT 11:06 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

المدرسة آلية إنتاج بذور المجتمع المختارة

GMT 05:01 2015 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة "سيتروين" العريقة في مزاد "بونهامز زوت" الشهير

GMT 00:44 2015 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

رياض "المزوار" لمسة من الثقافة المغربية المميزة في مدينة مراكش

GMT 18:24 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

ماسك الليمون وخل التفاح للشعر

GMT 17:03 2015 الإثنين ,13 تموز / يوليو

مجدي كامل ومها أحمد مع "رامز واكل الجو" الاثنين

GMT 08:40 2017 الأربعاء ,16 آب / أغسطس

بيت بيوت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca