دردشة مع زارتمان

الدار البيضاء اليوم  -

دردشة مع زارتمان

بقلم : توفيق بو عشرين

وليام زارتمان، أحد شيوخ علماء السياسة الأمريكيين الذين اهتموا بالمغرب وشؤونه منذ كان جنديا في القاعدة الأمريكية في القنيطرة في الخمسينات، وحتى عندما غادر المغرب في الستينات والتحق بالجامعة، بقيت همومه البحثية هنا، فأصدر كتبا عديدة ودراسات كثيرة حول نظامنا السياسي. وإذا كان زميله واتربوري يكتب عن المغرب بحس يساري نقدي لأن النظام الملكي لا يعجبه، فإن زارتمان ظل متفهما لحاجة المغرب إلى الملكية، وبقي دائما يفصل بين تعاطفه مع المغرب، وبين صرامة تحليل نظامه السياسي وآليات اشتغاله وأوضاع أحزابه وتطوره وتراجعه.
التقيته في ندوة OCP Policy Center حول الخرائط الجديدة للعالم ومتغيراته، حيث شارك زارتمان في إحدى حلقات النقاش، فدار هذا الحوار بين صحافي يهمه أن يعرف رؤية خبير أمريكي بشأن سياسة بلده، وباحث لم يتوقف عن متابعة أحوال بلادنا وأحوال العالم العربي من حولنا.
سألت زارتمان السؤال الكلاسيكي الذي يطرحه الجميع: «ماذا في جعبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن المغرب، ونزاع الصحراء بالضبط؟»، فرد زارتمان بالقول: «لا أحد يعرف ماذا في رأس تاجر العقارات ترامب، فهو قادم من عالم البزنس إلى البيت الأبيض بدون خبرة سياسية ولا دبلوماسية، ولا أظن أن تصريحاته المثيرة للجدل أثناء الحملة الانتخابية تصلح لتكون سياسة بعد تقلده المنصب، سواء للداخل أو الخارج الأمريكي، لكن، يمكنني أن أقول، وأنا مطمئن، إن ترامب لا ينظر بسلبية إلى بلادكم، وشأنه شأن الجمهوريين عموما، سيكون حريصا على علاقات ودية مع صديق قديم، وهو، قطعا، ليس مهتما بحقوق الإنسان، ولا بالانفتاح الديمقراطي، للأسف. مع ترامب يحتاج المغرب فقط إلى قناة توصل وجهة نظره عن الصحراء إلى ساكن البيت الأبيض. وعلى العموم، هذه الإدارة لن تكون مشغولة بحل نزاع الصحراء، لن تحله ولن تنفخ فيه… لكنني أرى أن القلق الأكبر سيأتي من التيار الانفصالي الموجود في داخل الصحراء، ومن التيار الاحتجاجي الذي يتغذى على البطالة والخصاص الاجتماعي في عموم المغرب».
ثم سألته: «أنت، كواحد من المهتمين بالمغرب ومحيطه الإقليمي، هل ترى أن الجزائر ما بعد بوتفليقة قد تغير موقفها من نزاع الصحراء؟»، فقال: «التفاوض حول نزاع الصحراء بين المغرب والجزائر يحتاج إلى شخصية قوية في الجزائر، تستطيع أن تحدث قطيعة في العقل السياسي للنخبة العسكرية تجاه هذا الملف، والآن، للأسف، بوتفليقة مريض وهو مقطوع عن العالم، ولا بديل واضح له. الآن الجميع يسأل: عن ماذا بعد بوتفليقة؟ ولا جواب».
ثم تحول الشيخ الأمريكي من مجيب إلى سائل، فقال: «لماذا لم ينجح إلى الآن بنكيران في تشكيل حكومة جديدة رغم مرور أكثر من شهرين على إعلان نتائج الاقتراع؟»، قلت له الجواب السطحي الذي يقول إن «الأحرار لا يرغبون في الجلوس مع الاستقلال إلى الطاولة الحكومية نفسها». ضحك من هذا الجواب، وقال: «أنا أعرف أن السبب أعمق من هذا، لكن دعني أطرح سؤالا آخر: هل هناك اختلاف بين برنامج بنكيران وبرنامج القصر؟»، قلت: «لا أعتقد ذلك، هناك برنامج واحد على طاولة المغرب، والأحزاب تتنافس في تطبيق هذا البرنامج ولا تتنافس على برنامج آخر. هناك برنامج في الفلاحة والصناعة والسياحة والطاقة والشؤون الدينية والشؤون الاجتماعية، هناك مخططات وأوراش وبرامج تمتد إلى سنوات… وبنكيران لن يحدث تغييرا في هذه البرامج، لكنه قد يحدث تغييرا في الذهاب سريعا نحو الإصلاحات. اتفقنا مع بنكيران أو اختلفنا معه، فقد صار رمزا لبرنامج الإصلاحات الصعبة».
علق زارتمان على هذا الوضع بالرجوع إلى التاريخ فقال: «دائما كان هناك من يخلق حساسية بين القصر والأحزاب السياسية التي لها تمثيلية في المجتمع، حيث يجري افتعال تناقض وهمي غالبا بين الطرفين. حصل هذا مع محمد الخامس ومع الحسن الثاني ومع محمد السادس، لكنني أرى أن من مصلحة الملكية أن تحكم مع حزب قوي له تمثيلية ويحظى بمصداقية في الشارع. تعرف أن محمد الخامس، وحتى قبل وضع الدستور، اختار عبد الله إبراهيم لقيادة الحكومة، واختار المهدي بنبركة لرئاسة المجلس الوطني.. كلما تناغمت الملكية مع القوى السياسية الموجودة في المجتمع، تحسنت أحوال البلاد الديمقراطية والاقتصادية، والعكس صحيح».
وكأي باحث في علم السياسة، سأل زارتمان المهتم بموجات الربيع العربي:»ماذا بقي من 20 فبراير في المغرب؟»، قلت: «باستثناء ثقافة الاحتجاج واتساع دوائر التسيس، لم يعد هناك شيء من هذه الحركة الاجتماعية». حرك رأسه عنوانا على اتفاقه مع هذا الجواب، متمنيا كل الخير للمغرب الذي يراه يملك إمكانات كبيرة ليكون استثناء حقيقيا في منطقة عنوانها الأكبر عدم الاستقرار.

المصدر : صحيفة اليوم24

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دردشة مع زارتمان دردشة مع زارتمان



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca