الكلاب التي تنبح لا تعض

الدار البيضاء اليوم  -

الكلاب التي تنبح لا تعض

بقلم : توفيق بو عشرين

اختار محمد السادس، القائد العام للقوات المسلحة الملكية، سياسة التهدئة وعدم الانجرار إلى استفزازات جبهة البوليساريو، ومن خلفها الجزائر، في منطقة الكركرات المحاذية للحدود المغربية-الموريتانية، حيث تنشط عناصر ميليشيا الجبهة في منطقة ميتة جيوسياسيا.

وأعلن الملك من الكوت ديفوار قرار انسحاب الجيش المغربي من طرف واحد من الكركرات، استجابة لطلب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غورتيس، الذي وجه نداء إلى الطرفين للانسحاب من المنطقة الملتهبة على الحدود مع موريتانيا، خوفا على قرار وقف إطلاق النار الساري المفعول منذ 1991… جبهة إبراهيم غالي لم تنسحب إلى الآن من الكركرات، وهي تهدد بالعودة إلى الحرب لأن مسلسل التسوية توقف قطاره، فيما أعلنت باريس وواشنطن ومدريد موقفا إيجابيا إزاء المبادرة المغربية التي ترمي، من جهة، إلى احترام قرار الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، البرتغالي الذي يعرف جيدا ملف الصحراء وامتداداته الإقليمية والدولية، لكن الهدف الأهم من حكمة التعقل وعدم الانجرار إلى فخ الاستفزاز، هو عدم إعطاء الجزائر المبررات للتشويش على عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، فعناصر ميليشيا البوليساريو، التي بعثتها الجزائر إلى الكركرات لإقامة حواجز للمراقبة على حركة التجارة بين المغرب وموريتانيا لإعطاء الانطباع بأنها تسيطر على الأرض وتقيم سلطة فوقها.. هذه العناصر لا تستطيع أن تصمد ولو لنصف ساعة أمام تدخل الجيش المغربي الذي يملك التجربة والسلاح والعتاد لإنهاء وجود هذه المليشيات في الكركرات، لكن الجيش المغربي لم يفعل ذلك، واختار التراجع إلى الوراء، وترك البوليساريو والجزائر في موقع الذي يهدد الأمن والسلم في منطقة رخوة وحساسة، والغرض هو تفويت الفرصة على خطة الجزائر لإدخال النزاع إلى الاتحاد الإفريقي، وإحراج الدول التي تحمست لعودة المغرب إلى البيت الإفريقي بالقول: «ها هو المغرب، الذي فتحتم له الأذرع قبل أسابيع للعودة غير المشروطة إلى الاتحاد الإفريقي، يطلق النار على قوات عضو صغير في هذا الاتحاد لا يطالب بأكثر من حق تقرير المصير»… كانت خطة الجزائر من وراء التصعيد في الكركرات هي إفساد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، ودفع الجالس على العرش إلى إنهاء مسلسل زياراته للبلدان الإفريقية، وإشعال عود ثقاب في منطقة مرتفعة الحرارة.

المفارقة أن الرد المناسب لم يأت من المغرب، الذي فضل علاج الموضوع دبلوماسيا، حتى إن بلاغ الانسحاب من منطقة الكركرات صدر عن وزارة الخارجية والتعاون ولم يصدر عن إدارة الدفاع أو قيادة الجيش.. الرد على الجزائر جاء من ثلاث عواصم وازنة في العالم: واشنطن وباريس ومدريد، وكلها ثمّنت الموقف المغربي… في هذا الأسبوع نفسه الذي شهد نازلة الكركرات، وقعت ثلاثة أحداث في الجزائر تكشف المخاطر الحقيقية التي تهدد جارتنا الشرقية، وكلها لا علاقة لها بالمغرب ولا بسياسته :

الحدث الأول يحمل توقيع داعش، حيث تبنى التنظيم الإرهابي عملية الهجوم الانتحاري على مركز للشرطة في قلب مدينة قسنطينة، في تحد واضح للمؤسسة الأمنية وخططها لحفظ الأمن وسط البلاد.

الحدث الثاني يحمل توقيع أزمة أسعار النفط، حيث أعلن وزير المالية الجزائري انهيار مداخيل البلاد من الغاز والنفط إلى أكثر من النصف في ظرف سنتين فقط (تراجع مدخول الجزائر من تصدير المحروقات من 60 مليار دولار سنة 2014 إلى 27,5 مليار دولار سنة 2016)، في بلاد تمثل المحروقات 90% من مجموع صادراتها، وفي نظام يشتري السلم الاجتماعي بأغلى سعر في السوق، حيث تدعم الدولة جل المواد الغذائية والأدوية والمحروقات…

أما ثالث حدث وقع في الجزائر في الأسبوع ذاته الذي شهد تحرش الجزائر بالمغرب، فهو اعتذار قصر المرادية عن عدم استقبال المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في الجزائر نظرا إلى تدهور الحالة الصحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

هل بلاد تعرف وضعا مماثلا وظروفا مشابهة يمكن أن تخوض حربا أو أن تشكل تهديدا لأحد من جيرانها؟ إن الأمر لا يعدو أن يكون استعراض عضلات أو استفزازات هدفها الهروب إلى الأمام، أو كما يقول المثل: «الكلب الذي يعض لا ينبح طوال الوقت».

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكلاب التي تنبح لا تعض الكلاب التي تنبح لا تعض



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca