حكومة أبريل

الدار البيضاء اليوم  -

حكومة أبريل

بقلم : توفيق بو عشرين

تخرج حكومة العثماني من «الخيمة مايلة»، تجر خلفها معوقات كبيرة لا يعرف أحد كيف سيتمكن الطبيب النفسي من علاجها (كان الله في عونه). أولى هذه المعوقات أن الحكومة تتشكل بعيدا عن نتائج السابع من أكتوبر، وتضم ستة أحزاب لا رابط بينها، وتكتلا لأربعة أحزاب هدفها إضعاف الحكومة الضعيفة أصلا، واقتسام سلطة رئيسها تمهيدا لإزاحته في أقرب محطة. ثانيا، تخرج حكومة أبريل إلى الوجود بعملية قيصرية وليست إرادية، حيث فرضت مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة على العدالة والتنمية، الذي اضطر إلى القبول بسياسة الأمر الواقع، وإلى الانحناء للعاصفة، وإغماض العين عن روح دستور 2011، الذي يعطي رئيس الحكومة حق اختيار أغلبيته دون تدخل من أحد. ثالثا، تولد الحكومة أبريل بدون روح سياسية كان يمثلها عبد الإله بنكيران كزعيم، وكصاحب مشروع «الإصلاح في ظل الاستقرار». بنكيران الذي حمل جريرة البلوكاج بعد ستة أشهر من المناورات الحزبية، وجيء بالعثماني ليلعب دور التوقيع على نهاية خدمة رفيقه في الحزب، والحفاظ على الشكل حتى دون جوهر. رابعا، يضع العثماني يده في عصيدة الحكومة وليس وراءه موقف موحد في الحزب من قيادة حكومة على هذا المنوال، سواء في القيادة أو في القاعدة، التي لم تهضم إلى الآن الإطاحة ببنكيران، والخضوع لشروط أخنوش، علاوة على تفريط العثماني في شروط المجلس الوطني الذي حدد سقفا لمشاركة المصباح في الحكومة. خامسا تنطلق حكومة العثماني في أجواء باردة جدا، حيث تغيب الحرارة لدى الرأي العام الذي جرى إدخاله إلى الثلاجة لمدة خمسة أشهر ونصف، والآن فقد شهية الاهتمام بميلاد الحكومة وتشكيلة الوزراء.

حكومة بنكيران لم تكن مثالية، ولا كانت قوية كما يفترض العرف الديمقراطي، ولا كانت تُمارس كافة اختصاصاتها، وبنكيران له ما له وعليه ما عليه، وهو نفسه سهل المهمة على الذين وضعوا نقطة نهاية لتجربته، لكنه، مع ذلك، كان يحاول أن يتدارك هذا الضعف وذاك الاختراق بإشراك الناس في القرار دون لغة خشب، وحاول مراكمة إصلاحات صغيرة للوصول إلى تغييرات كبيرة تنقل البلد من حال إلى حال أخرى، وقد حاول بنكيران، كزعيم سياسي، إعطاء معنى للسياسة، وتوسيع سلطة صندوق الاقتراع، وطمأنة الدولة إلى أن الإصلاح هو السبيل لتجنب العاصفة… ولهذا، نجح في تكوين رصيد شعبي كبير كان ينوي توظيفه في تدشين جيل جديد من الإصلاحات، التي علقت الآن إلى إشعار آخر.

المرحلة المقبلة ستكون صعبة للغاية على بلاد تعج بالمشاكل، من الصحراء، إلى البطالة، إلى الفساد، إلى انهيار الوسطاء السياسيين والاجتماعيين.. وستكون صعبة، ثانيا، على حزب العدالة والتنمية، الذي حاول بناء مؤسسة حزبية مستقلة، وشعبية نال بها ثقة كبيرة وسط المجتمع، لكنه لم يعرف كيف يحافظ عليها، ولا كيف يترجم الأصوات إلى أوراق رابحة للتفاوض، فتصرف كجماعة هدفها حماية الذات وليس كحزب هدفه حماية المجتمع من مخاطر الرجوع إلى الوراء… ولهذا، لم يستطع العثماني ولا رفاقه إعطاء تبرير منطقي لتنازلاتهم، ولا عنوان لمشاركتهم، ولا شعار لهذا الذي نرى أمامنا، فخصوم التحول الديمقراطي أخذوا بالمفاوضات ما لم يستطيعوا أن يأخذوه بصناديق الاقتراع، وكم كان بنكيران حالما عندما خاطب الناس في الحملة الانتخابية وقال لهم: «أنتم فقط أعطوني أصواتكم واتركوني بيني وبينهم».. وكذلك فعل الناس، أعطوا المصباح جل المدن، الكبيرة والصغيرة، في سابقة من نوعها سنة 2015، وأعطوه نصرا لم يكن قادة الحزب يتوقعونه في 2016، والآن يرون أمامهم إدريس لشكر «تيتبورد» على الجميع، وهو الذي حصل على أسوأ نتيجة في الاقتراع.

كتاب يقرأ من عنوانه ونحن الآن على أبواب مرحلة جديدة، ولهذا يقول المغاربة في الدعاء المأثور: ‘‘اللهم إننا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه’’. آمين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكومة أبريل حكومة أبريل



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca