فوكزه فقضى عليه

الدار البيضاء اليوم  -

فوكزه فقضى عليه

بقلم - توفيق بو عشرين

سلم رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، مراسيم الإعفاء إلى الكتاب العامين للوزارات التي أصابها الزلزال السياسي. ولأن الحس القانوني والحقوقي للحكومة مخدر جدا هذه الأيام، فإنها لم تنتبه إلى جملة من الخروقات القانونية التي شابت قرارات إعفاء أربعة كتاب عامين.. أولها أن قرار الإعفاء لم يتخذ في المجلس الحكومي، كما تستوجب ذلك روح القانون، فمادام الكتاب العامون يعينون في المجلس الحكومي، فإن إقالتهم يجب أن تكون في المجلس الحكومي أيضا، تطبيقا للقاعدة القانونية العامة التي تقول بـ«مبدأ توازن المساطر والشكليات»، فعندما نص الدستور والقانون التنظيمي للتعيين في المناصب العليا على وجوب تعيين كبار المسؤولين في الإدارة والمؤسسات العمومية في المجلس الحكومي، فذلك ليجري التداول في أمرهم من قبل كل أعضاء الحكومة، وليس ليستفرد رئيس الحكومة وحده بتعيين كبار المسؤولين، وكذلك بإقالتهم أو إعفائهم، والحاصل اليوم أن الطبيب العثماني «متهم» بالشطط في استعمال السلطة عندما تجاوز اختصاص رئيس الحكومة، واستعمل سلطة لم يعطه إياها الدستور ولا القانون التنظيمي، فأقدم على إقالة الكتاب العامين دون التقيد بالقانون.
ثانيا، لقد تسلم «المغضوب» عليهم قرارات إعفائهم غير معللة، حيث لم تتضمن لائحة الأخطاء التي ارتكبوها أثناء مزاولة مهامهم. تنص المادة 11 من المرسوم التطبيقي لقانون التعيين في المناصب العليا على ما يلي: «يعفى بمرسوم الأشخاص المعينون في أحد هذه المناصب: الكتاب العامون والمديرون المركزيون ورؤساء المؤسسات العمومية، إما بناء على طلبهم، وإما إثر تعيين من يخلفهم في مهامهم، أو باقتراح معلل للسلطة الحكومية المعنية»، والحال أن السيد رئيس الحكومة لم يعلل قرار إعفاء هؤلاء، مع أن القانون الإداري المغربي يوجب على المسؤول الإداري تعليل قراره الإداري، ويوجب الطعن والإلغاء في حال امتناع المسؤول عن تعليل القرار الإداري، والحال أن رئيس الحكومة لا يريد أن يدخل في متاهات تفسير وتأويل المنسوب إلى الكتاب العامين في مشروع غامض وغير محدد الأهداف، مثل مشروع منارة الحسيمة. أما ثالث خطأ وقع فيه العثماني، وهو يطرد الكتاب العامين، فهو عدم صلاحيته لفعل ذلك، لأن القانون التنظيمي يجعل إعفاء الكتاب العامين بإحدى هذه الطرق الثلاث حصريا: أن يطلب الكاتب العام نفسه إعفاءه من مهمته للأسباب التي يراها، وإما أن يعمد المجلس الحكومي إلى تعيين كاتب عام جديد محل القديم، فيتم إعفاء الأول ضمنيا عن طريق تعيين الثاني، أو أن يتقدم الوزير، الذي يشتغل الكاتب العام تحت سلطته، بقرار إعفاء الأخير إلى رئيس الحكومة. والحال أن النازلة التي أمامنا لا تنطبق عليها أي حالة من الحالات التي ينص عليها المرسوم التطبيقي للقانون التنظيمي للتعيين في المناصب العليا، فلا الكتاب العامون طلبوا إعفاءهم، ولا المجلس الحكومي عين كتابا عامين بدلا عنهم، ولا الوزراء الذين كانوا يشتغلون تحت إمرتهم قدموا طلب إعفائهم لأن هؤلاء الوزراء أنفسهم خرجوا من مكاتبهم وأعفوا من مهامهم، والحل الوحيد الذي بقي أمام رئاسة الحكومة هو انتظار تعيين وزراء جدد في الوزارات التي أصيبت بـ«زلزال الحسيمة»، وعندئذ يمكن لهؤلاء الوزراء الجدد أن يتقدموا بطلبات إعفاء الكتاب العامين المغضوب عليهم.
هذا هو منطق القانون ومقتضيات دولة الحق، لكن من سينتبه إليه؟ ومن سيدعو إلى التريث والاحتكام إلى العقل في خضم الحماسة الزائدة للإطاحة بأكبر عدد من الرؤوس؟ الطبيب النفسي سقفه السياسي منخفض جدا، وعندما تنزل فوقه التعليمات يسارع إلى تنفيذها دون تردد، ولا مراجعة، ولا حتى تفكير في الحد من خسائرها. هناك دعاء يردده المسلمون يقول: «اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه»، ونحن لا نطلب من رئيس الحكومة أن يغير «القضاء»، ولكن نطلب منه أن يسعى إلى تلطيفه، أي تصريف القرار السياسي، بغض النظر عن صوابه من خطئه، بطريقة تحترم الدستور والقانون والمراسيم والأعراف المتبعة في الإدارة، لأن هذا ما يضفي الشرعية على قرارات الدولة، وأخلاق الدولة، وتصرفات رجال الدولة الذين يقيد القانون أيديهم ولا يطلقها أبدا، مهما كانت الظروف والأحوال.
كان هناك فقيه في كلية أصول الدين بتطوان يدرس للطلبة مفهوم القضاء في الإسلام، ويستشهد بآية في غير موضعها تماما فيقول: «فوكزه موسى فقضى عليه». هذا اسمه الوكز وليس القضاء، وكذلك فعل الفقيه العثماني، فقد وكز ولكز الكتاب العامين للوزارات فقضى عليهم دون موجب قانون، أو اعتبار لدولة الحق والإنصاف، والله أعلم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فوكزه فقضى عليه فوكزه فقضى عليه



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca