بقلم : توفيق بو عشرين
لم تتحرك بعد دبلوماسيتنا، التي تلقب نفسها بالهجومية، إزاء عملية «قرصنة» السفينة «تشيري بلوسوم» من قبل سلطات جنوب إفريقيا، التي حجزت على 50 ألف طن من الفوسفاط المغربي كانت متجهة من ميناء العيون إلى نيوزيلندا، وتوقفت في ميناء بورت إليزابيث في جنوب إفريقيا للتزود بالوقود، ليفاجأ طاقمها بأمر من المحكمة يحجز عليها ويمنعها من مواصلة رحلتها، بدعوى وجود شكاية من جبهة البوليساريو ضد المكتب الشريف للفوسفاط، باعتباره يخرق حكم المحكمة الأوروبية التي تعتبر أن العيون ليست جزءا من التراب المغربي، وأن المنطقة المتنازع عليها يجب ألا تدخل في إطار اتفاقيات دولية لاستغلال خيراتها.
عثمان بناني سميرس، المستشار القانوني للمكتب الشريف للفوسفاط، قال لرويترز: “الأمر الذي صدر في جنوب إفريقيا بخصوص شحنة تشيري بلوسوم إنما هو إجراء اعتيادي مؤقت، اتخذ بناء على مزاعم طرف واحد فقط. نحن على ثقة تامة من صدور قرار في صالحنا لدى تقديم الحقائق الفعلية لهذه القضية إلى المحكمة الجنوب إفريقية”، وأضاف أن أنشطة وحدة فوسبوكراع، التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط، تتقيد بشكل كامل “بإطار الأمم المتحدة والقواعد والمعايير القانونية الدولية ذات الصلة”.
واضح أن ocp يحاول أن «يبرد الطرح»، وأمله أن المحكمة ستقتنع بحجج المغرب عندما تبدأ المرافعات حول جوهر القضية، لكن هذه معالجة قانونية لها مسارها وأصحابها، أما الحكومة ووزارة الخارجية فعليهما أن تقوما بعملهما، وأن تردا على هذا التحرش الدبلوماسي لجنوب إفريقيا، التي تتخذ من «معاداة المغرب» ثابتا دبلوماسيا في سياستها منذ أن نجحت الجزائر، قبل 20 سنة، في جرها إلى محورها، وقد لاحظنا كيف حضر رئيس جنوب إفريقيا، في يناير الماضي، إلى أديس أبابا، وكيف بقي إلى آخر لحظة يناور من أجل تعطيل عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي.
صراع جنوب إفريقيا مع المغرب بدأ بتأثير من الجزائر، ولم تنتبه دبلوماسيتنا، كعادتها، إلى الأمر حتى وقع الفأس في الرأس. بعد خروج مانديلا من الحكم وتقاعده، اعترفت بريتوريا بالبوليساريو، وفتحت لها سفارة في بلادها، وبدأت تتبنى قضيتها، لكن، مع مرور الزمن وطول الخلاف، نشأت تناقضات أخرى بين المغرب وجنوب إفريقيا، لم تجد من الجانبين أي مجهود دبلوماسي لاحتوائها، وهكذا أصبحت جنوب إفريقيا ترى في المغرب منافسا شرسا لها في استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى إفريقيا، حتى إن المغرب سنة 2016، حسب تقرير صدر قبل يومين عن مؤسسة «إيرنست ويونغ»، صُنف في المرتبة الأولى إفريقيا في جذب الاستثمارات الأجنبية، ثم جاءت جنوب إفريقيا في المرتبة الثانية، وفي العشرة الأوائل لا توجد أي دولة من شمال إفريقيا، باستثناء المغرب.
جنوب إفريقيا، بحجزها على سفينة الفوسفاط المغربي، تحاول أن تنتقم من أحد الأدوات الأساسية التي اعتمدتها الدبلوماسية الملكية لاختراق عدد من معاقل خصوم المغرب في إفريقيا، والمقصود هو المكتب الشريف للفوسفاط، الذي لعب دورا كبيرا في دبلوماسية الفوسفاط، من خلال المشاريع الكبيرة التي أقامها في عدد من البلدان الإفريقية، وبعض هذه المشاريع وصل إلى دول كانت جنوب إفريقيا تراها بمثابة المجال الحيوي المحفوظ لها، ولهذا جاء قرار محكمة جنوب إفريقيا من أجل توجيه ضربة إلى الفوسفاط المغربي، وخلق سابقة ترتكز على تأويل خاص لحكم المحكمة الأوروبية، الذي اعتبر المناطق المتنازع عليها يجب ألا تشملها اتفاقات التبادل الحر، لكن لا شيء في القانون الدولي ولا في اتفاقيات الأمم المتحدة يمنع دولة من استغلال ثروات المناطق المتنازع عليها، شريطة أن يستفيد منها السكان المحليون، وهذا ما يفعله المغرب، بل ويفعل أكثر، فمثلا منجم «وفوس بوكراع»، الذي لا يحتوي سوى على 1,5 من احتياطيات المغرب من الفوسفاط الموجود في خريبكة واليوسفية.. منجم العيون هذا كان، إلى وقت قريب، شبه مفلس، واستمرار العمل فيه كان لأسباب اجتماعية، ولهذا، فإن نصف العاملين فيه اليوم ينحدرون من الصحراء. أكثر من هذا، أظهرت دراسات علمية وتقارير موضوعية أن مقابل كل درهم يربحه المغرب من فوسفاط الصحراء وسمكها ينفق 100 درهم، وأن الاستثمارات المغربية في البنيات التحتية في الصحراء تفوق نظيرتها في جل جهات المغرب.
البوليساريو والجزائر وجنوب إفريقيا لم يبلعوا تقرير مجلس الأمن الأخير، ولم يهضموا عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، ولم يحتملوا خروجه من الحصار الذي كان يطوق حركته الدبلوماسية في إفريقيا، لهذا جاء قرار الحجز على باخرة تحمل 50 ألف طن من الفوسفاط، وهذا يتطلب ردا دبلوماسيا وليس قضائيا فقط… حتى وإن كانت النوستالجيا عملة غير رائجة في العلاقات بين الدول، فلا بد من أن نذكر زوما وأصدقاءه، الذين يحكمون باسم مانديلا وكفاحه، بأن المغرب دعم نضال السود في جنوب إفريقيا ضد الأبرتايد بشهادة مانديلا، الذي قال، أمام آلاف المدعوين إلى الاحتفاء بتحرر جنوب إفريقيا سنة 1990 من الميز العنصري، وأمام الدكتور الخطيب الذي حضر المناسبة كممثل لبلاده وكصديق للزعيم.. قال مانديلا: «المغرب هو البلد الوحيد الذي أعطاني أكثر مما طلبت أيام النضال ضد الميز العنصري.. أعطاني المال والسلاح وتدريب المقاتلين والمساندة السياسية، فشكرا له». بماذا سيشعر مانديلا وهو في قبره عندما يصل إليه خبر حجز أبنائه على سفينة فوسفاط مغربية؟ لكم أن تتصوروا المشهد.