بنكيران: لن أكون قطعة سكر تذوب في الماء

الدار البيضاء اليوم  -

بنكيران لن أكون قطعة سكر تذوب في الماء

بقلم - توفيق بو عشرين

من أمام قبر مؤسس الحزب عبدالكريم الخطيب، اختار بنكيران أن ينهي اعتكافه السياسي الذي دام ثلاثة أشهر بعد إبعاده عن رئاسة الحكومة، وأن يستأنف مسيرة نضالية بدأت قبل 40 سنة كان مُرها أكثر من حلوها. وقف زعيم المصباح ليترحم ليس فقط على الراحل الخطيب، بل على مرحلة بكاملها، اعتقد بنكيران خلالها أن مشروع الإصلاح في ظل الاستقرار سيقود البلاد نحو مصالحة نهائية مع الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية، لكن ذهبت الرياح بما لا تشتهيه السفن، ووجد بنكيران نفسه يرجع إلى مطلب (مكافحة الفساد والاستبداد)، بعد أن أمضى خمس سنوات في قيادة حكومة وعدت المغاربة بأنها ستفتح عهدا جديدا من الإصلاحات المتدرجة في بلاد تخصصت في إجهاض مشاريع الإصلاح منذ بداية القرن الماضي، لكن الإصلاح لم يتم، يقول بنكيران بمرارة في خطاب يشبه محاضرة عبدالرحمان اليوسفي في بروكسيل، بعد توقيف تجربته في الوزارة الأولى سنة 2003 … الفرق أن اليوسفي ذهب إلى التقاعد يائسا من كل شيء، وبنكيران عاد إلى سيرته الأولى متسلحا بشعبية كبيرة وحزب مازال النشاط يدب فيه، عكس حزب الوردة الذي قضى عليه أبناؤه..

بنكيران استأنف نشاطه ببعث ثلاث رسائل إلى ثلاث جهات، الأولى هي الملكية، والثانية لنخبة الحزب الوزارية، والثالثة للرأي العام، وخاصة الذين صوتوا على حزب المصباح ووضعوا ثقتهم فيه.

للمؤسسة الملكية قال بنكيران إنه وحزبه ملتزمون بالوفاء والولاء لها كما كانوا دائما، لكن على أسس شرعية قوامها المناصحة الشجاعة والمؤدبة للجالس على العرش، وهذا معناه أن بنكيران يقول لمن يهمه الأمر، إن حزب العدالة والتنمية وزعيمه لن يتصرفوا كما تتصرف عموم الطبقة السياسية في المغرب اليوم مع المؤسسة الملكية، بانبطاح أو تملق أو مجاملة أو بعد عن الصراحة والنصح، بل إن بنكيران سيمضي في أسلوبه الذي يجمع بين الولاء والنصح، وبين الوفاء والشجاعة، بين الاحترام وقول الحقيقة للجالس على العرش… بهذا المعنى يعيد بنكيران تعريف علاقة المصباح مع الملك على قاعدة فقهية وسياسية تمتح من التراث الإسلامي القديم، ومن تقاليد العمل السياسي الحديث. لكن اللافت في هذه المقاربة أن بنكيران يعترف ضمنيا أن الدستور المغربي قاصر اليوم، نصا وتطبيقا على جعل القصر حكما بين الفاعلين، بل إنه طرف ولهذا وجب تقديم النصح له.

للنخبة الوزارية للحزب وعلى رأسها سعد الدين العثماني قال بنكيران بصريح العبارة: (هذا الحزب لم يتأسس لكسب جولة ويرتخي بعدها لينام قرير العين، ويتذوق لذة الحياة… هذا الحزب جاء ليصبر ويناضل من أجل الملكية والإسلام والتصدي للعنف، وهذا الدور متجدد، وقوامه الدفاع عن الإصلاح والتضحية من أجل ذلك). ولكي يضع النقاط على الحروف ويرسم معالم المرحلة الراهنة، قال بنكيران: (ليعلم أبناء العدالة والتنمية أن الإصلاح لم يتم)، في إشارة واضحة إلى أن إقالته من رئاسة الحكومة كانت عنوانا عن توقف مشروعه الإصلاحي، وإن وضع العثماني على كرسي رئاسة الحكومة لا يعني أن مشروع الإصلاح قد استأنف مسيرته، ولكي يحذر من الفرقة التي يعرف أنها بدأت تنخر صفوف الحزب قال: (إن الحزب يمر من فترة صعبة، ولا يجب أن ننسى أن الدكتور الخطيب رحمة الله عليه أهدانا في آخر عهدنا به لوحة مكتوب عليها: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) الآية … بنكيران يوصي حزبه بالاعتصام بالوحدة لأنه يعرف أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة، وأن صبر الحزب على حكومة عاجزة لن يطول، خاصة أن المصباح بدأ يؤدي فاتورة أخطاء العثماني وفريقه في تدبير حراك الريف.

أما رسالة بنكيران إلى الشعب الذي صوت لحزب في ثلاث مناسبات متتالية وأعطاه المرتبة الأولى في انتخابات 2011 و2015 و2016، فقال له: (إن هدفنا هو استعادة الكرامة المهدورة لهذا الشعب). وفي إشارة واضحة لمطالب الريف قال بنكيران: (إن المغاربة بحاجة إلى طرق ومدارس ومستشفيات وشغل… لكنهم في حاجة أكثر إلى استرداد كرامتهم المهدورة، حتى يشعر الغني والفقير والرجل والمرأة بأن الدولة تخدمه وتتشرف بخدمته.. يمكن للمغاربة أن يصبروا على الطرق والمستشفيات، لكن لا يمكن أن يصبروا على امتهان كرامتهم). وبخصوص مستقبل علاقته بالذين منحوه أصواتهم قال بنكيران: (الذين أعطونا أصواتهم رغم كيد الكائدين وحسد المتآمرين ماغديش نخويو بهم (لن نتخلى عنهم). ولكي يزرع روح المقاومة في جسد حزبه قال: (لن نكون مثل قطعة سكر ستذوب في الماء بسهولة). هكذا خرج بنكيران من عزلته السياسية بعد أن داوى جراحه، مستعيدا مدفعيته الثقيلة، لكن هذه المرة بقاموس ديني كثيف المعاني، وخطاب معارض شرس، ودفتر مطالب قوي رمزيا (استعادة الكرامة)، وسياسيا إعلان فشل الإصلاح التوافقي والمرور إلى اُسلوب آخر في الدفاع عن الإصلاحات ستظهر معالمه على الأرجح في المقبل من الأيام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بنكيران لن أكون قطعة سكر تذوب في الماء بنكيران لن أكون قطعة سكر تذوب في الماء



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca