لماذا التجديد لبنكيران

الدار البيضاء اليوم  -

لماذا التجديد لبنكيران

بقلم ـ توفيق بو عشرين

مرة أخرى، فشل حزب العدالة والتنمية في انتزاع مقعد برلماني في الانتخابات الجزئية التي أعيدت في مدينة وجدة أول أمس، وقبلها في الجديدة وأكادير وتارودانت وبني ملال، فباستثناء تطوان، التي استرجع فيها المصباح مقعده دون منافسة جدية، فإن باقي الأحزاب انسحبت من مضمار السباق، باستثناء حزب نبيلة منيب، حيث لم يفلح حزب العدالة والتنمية في انتزاع أي مقعد في الدوائر الخمس التي أعيدت فيها الانتخابات، والأكثر مدعاة للانتباه أن الحزب الأول في المغرب، والذي يقود الحكومة الحالية، والمدعوم من حركة التوحيد والإصلاح، لم يتمكن من حشد بضعة آلاف من أنصاره للمشاركة في الانتخابات، حيث تراوحت نسبة المشاركة في الدوائر الانتخابية أعلاه بين 5% و8%، وكان الحسم فيها للمال وليس للسياسة.
الانتخابات الجزئية لها خصوصية، وحزب العدالة والتنمية منذ 1997 لم يكن يفوز إلا نادرا بالانتخابات الجزئية، لأن أدواته السياسية في إدارة المعركة الانتخابية لا تهزم المال عندما تكون نسبة المشاركة ضعيفة، ولهذا تفعل وزارة الداخلية، قبل كل انتخابات، المستحيل لكي تبعد الناس عن صناديق الاقتراع، ولكي تنزل نسبة المشاركة في الانتخابات، حتى تعطي الأعيان الفرصة لاستعمال الأوراق النقدية لهزم الأوراق السياسية يوم الاقتراع، لكن، مع ذلك، لا بد من الانتباه إلى «الانكماش» الذي دخله حزب المصباح في الستة أشهر الأخيرة، نتيجة الضعف البارز لحكومة العثماني الهجينة، ونتيجة الانقسامات التي تخترق الحزب، ونتيجة ضعف الثقة في العملية السياسية التي تعرضت لنكسة كبيرة بعد انتخابات السابع من أكتوبر، حيث جرى التنكر لنتائجها، وتنصيب حكومة لا علاقة لها بمخرجات الصندوق، وبقية القصة معروفة، في الريف وغير الريف.
يبلغ عدد أعضاء حزب العدالة والتنمية اليوم حوالي 50 ألفا ممن يحملون بطاقة العضوية، وخلف هؤلاء يوجد ما بين 10 آلاف و15 ألف عضو في حركة التوحيد والإصلاح، وكل هؤلاء يعيشون وسط المجتمع، ويرون ويسمعون نبض الشارع، وكيف أن الرأي العام لم يتقبل إزاحة بنكيران عن رئاسة الحكومة بعد ضربة البلوكاج السياسي، الذي كان يرمي إلى الانقلاب على نتائج الاقتراع، وهؤلاء المناضلون لا يسمعون فقط تبريرات العثماني وفريقه الوزاري، التي تقول ليس في الإمكان أبدع مما كان، بل يسمعون أيضا رأي المواطنين الذين يسألون «الإخوان» عن مصير أصواتهم، وعن مصير الوعد الذي قطعه الحزب لهم بأن يبقى صامدا خلف مقود الإصلاح، مهما كانت الظروف… لذلك، لا بد أن يقدم الحزب، وهو على أعتاب مؤتمره الثامن، جوابا سياسيا، أو قل مشروعا للمستقبل، بعدما جرى إجهاض مشروع عبد الإله بنكيران: «الإصلاح في ظل الاستقرار، والبحث عن التوافق مع القصر داخل وخارج الوثيقة الدستورية، مع تأويلها رئاسيا وليس برلمانيا».
للأسف، العثماني لا يقدم مشروعا سياسيا بديلا، بل هو نفسه جاء على أنقاض المشروع الذي تهدم في أبريل، وسقف العثماني منخفض جدا مقارنة حتى ببنكيران الذي كان ينوي، في الولاية الثانية، وضع خط أحمر لتنازلاته السياسية والدستورية، وزيادة السرعة في وتيرة الإصلاحات، ووضع حد لازدواجية السلطة في المغرب، وعدم الخضوع لشركائه في الحكومة، من أحزاب الإدارة القديمة والجديدة، الذين كانوا يضعون رجلا مع الحكومة ورجلا مع التحكم.
الذين يتشبثون اليوم بولاية ثالثة لبنكيران، لا يفعلون هذا حبا في زوج نبيلة، ولا تنكرا لمبدأ التداول على المسؤولية في الحزب.. الذين يدافعون عن رجوع بنكيران إلى قيادة الحزب، يفعلون ذلك لأسباب أخلاقية وسياسية وانتخابية.. لأسباب أخلاقية، أي إنصاف الرجل الذي تعرض للظلم بعد إزاحته من رئاسة حكومة يستحقها، بعدما أعطته إياها الإرادة الشعبية في ثلاثة انتخابات متتالية، في 2011 و2015 و2016، قبل الخروج عن المنهجية الديمقراطية، وإزاحة بنكيران من قبل أخنوش ولشكر والعنصر، الذين رفضوا تسهيل مهمته في العثور على أغلبية. لا يمكن تزكية هذه الإزاحة، وأن تعطاها شرعية سياسية، من قبل الحزب الذي يدعي أنه جاء من أجل الدفاع عن الديمقراطية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
أما الأسباب السياسية التي تدعو إلى الحفاظ على بنكيران في قيادة الحزب، فترجع إلى شعبيته وقوة تأثيره في المشهد السياسي ونظافة يده، في غياب بدائل قوية له في مناخ تتعرض فيه الأحزاب للقصف الشديد، من قبل جهات في السلطة تريد إخضاع كل الأحزاب وإدخالها إلى بيت الطاعة. التجديد لبنكيران هو بداية لإعادة صياغة مشروع جديد لمستقبل الإصلاح في المغرب.. مشروع مبني على ركيزتين؛ إصلاحات دستورية جديدة لتوضيح الصلاحيات بدقة بين المؤسسات، وإصلاحات سياسية في مقدمتها إصلاح النظام الانتخابي، وجعله متوافقا مع المعايير الدولية، التي لا تقبل التلاعب في التقسيم ونمط الاقتراع وجهة الإشراف ودرجة العتبة، وما إلى ذلك من الألاعيب التي تفرغ الانتخابات من مضمونها الديمقراطي.
أما الأسباب الانتخابية التي تدعو إلى التجديد لبنكيران، فهي ما لمسه المؤيدون والمعارضون لبنكيران، من قدرته على الوصول إلى بسطاء القوم وعليتهم على السواء، ومواهبه في التواصل والخطابة والتعبئة في بلاد تحتاج إلى قادة وزعماء سياسيين يصالحون الناس مع السياسة، ويعطون الأمل في المستقبل، رافضين شعار: «ولاد عبد الواحد كلهم واحد».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا التجديد لبنكيران لماذا التجديد لبنكيران



GMT 10:13 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هل تحظى تركيا بـ "الأفضلية" لدى الرأي العام العربي، ولماذا؟

GMT 09:34 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

أردوغان لا يستوعب سقوط إسطنبول!

GMT 00:02 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ثقة بين الإسلاميين والدولة في المغرب

GMT 03:29 2018 الجمعة ,07 أيلول / سبتمبر

أردوغان وسياسات المباغتة

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية

GMT 05:12 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تيريزا ماي تحضر قمة مجلس التعاون الخليجي

GMT 07:04 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حرباء متغيرة اللون يمتد لسانها لـ60 ميلًا لصيد فريستها

GMT 22:38 2014 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

قميص نيمار يظهر في الملعب قبل مواجهة ألمانيا

GMT 01:22 2015 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المدافئ الكهربائية تتغلب على النمط التقليدي بأناقتها المميزة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca