القرصان ينتقد الربان..

الدار البيضاء اليوم  -

القرصان ينتقد الربان

بقلم - توفيق بو عشرين

عاب إدريس لشكر عبد الرحمان اليوسفي لمغادرته الحزب والسياسة سنة 2003، وشبه «القرصان» لشكر رفيقه في الحزب بالربان الذي يغادر السفينة وهي تغرق، وهو تشبيه قاس جدا ويقترب من الاتهام بالخيانة، وهذا اتهام لم يسبق لأحد من داخل الاتحاد أو من خارجه أن وجهه إلى اليوسفي، الذي يجر خلفه تاريخا من النضال الوطني والسياسي والحقوقي، في زمن الاستعمار والاستقلال على السواء.

إذا كان اليوسفي قد غادر سفينة تغرق، فإن إدريس لشكر استولى على هذه السفينة وباعها في عرض البحر للقراصنة، وقبض الثمن في الكيلومتر التاسع بطريق زعير، وأصبح يتاجر بتاريخ السفينة الضائعة، ويشتغل مياوما في سفن الآخرين، وعلى رأسهم أسطول عزيز أخنوش.

آخر واحد يمكن أن يعطي دروسا لليوسفي هو إدريس لشكر، وآخر واحد يمكن أن ينعى حزب عبد الرحيم، هو حاكم مقر العرعار، لأن ما فعله لشكر في الحزب لم يفعله اليوسفي ولا اليازغي ولا الراضي، فلا أحد من هؤلاء أخرج الاتحاد من الحالة المدنية للعائلة الوطنية، وسجله في دفتر مواليد الأحزاب الإدارية، ولا أحد من زعماء الاتحاد قبل أن يدخل إلى الحكومة تحت معطف الحمامة، ولا أحد من قادة الوردة حول الاتحاد من حزب إلى جماعة ضغط، ومن مشروع تحرري إلى عقدة في منشار المنهجية الديمقراطية في ما عرف بمسلسل البلوكاج، ولا داعي إلى فتح كل السجلات، لأن ما فيها يدمي قلوب الديمقراطيين في هذه البلاد، على قلتهم.

الآن، لنخرج من سفينة لشكر، ولنعِد تركيب أجزاء قرار اليوسفي اعتزال السياسة والسياسيين والحزب والحزبيين قبل 15 سنة… ورث اليوسفي حزبا كان في أوج تحولات كبيرة في بنيته وخطابه ونخبه ومشروعه… حزب كان يضم خليطا من السياسيين والنقابيين، بين قوميين واشتراكيين، بين برغماتيين ومتصلبين، بين جيل قديم وجيل جديد، وفوق هذا جاء اليوسفي إلى قيادة الحزب في خضم تحولات دولية كبيرة، انهار على إثرها المعسكر الاشتراكي، وضعف اليسار في كل العالم، وما عاد هناك ذلك الوهج للأفكار الاشتراكية، ولا ذلك الدعم السياسي الذي كان يتلقاه الحزب من الخارج.

لقد حاول المحامي القديم أن يجدد أوراق مرافعاته، وأن يتشبث بمطلب واحد لإنقاذ الحزب والمغرب: تعديلات دستورية خفيفة تفتح اللعبة السياسية على إمكانية التناوب على الحكم عبر انتخابات نزيهة نسبيا، تسمح لأحزاب المعارضة بالوصول إلى الحكومة بتوافق مع العرش، والشروع في إصلاح أوضاع البلاد التي وصلت إلى حد التهديد بالسكتة القلبية… بعد أخذ ورد، وبعد تعديلات في الدستور لم تكن في المستوى سنة 1992، أعقبتها انتخابات رديئة، غادر على أثرها اليوسفي البلاد إلى مدينة كان الفرنسية، احتجاجا على تزوير الانتخابات، ثم جاءت تعديلات 1996 الدستورية، وبعدها انتخابات 1997، ثم تناوب 1998، ودخل اليوسفي إلى قصر كان يتهمه بعض سكانه بأنه «تاجر سلاح كان يسعى إلى إسقاط العرش».. وضع اليوسفي يده على المصحف، وأقسم على ما لا نعرفه بالضبط، فيما رجح البعض أن يكون اليوسفي أقسم، في حضرة الحسن الثاني، على تسهيل انتقال العرش من أب مريض إلى ابن بلا سوابق في الحكم. مات الملك الحسن الثاني، الذي لم يعرف ثلاثا المغاربة ملكا سواه، وجاء الشاب محمد السادس إلى عرش أجداده، ففسح له اليوسفي المكان ليلتقي شعبه، ويوطد حكمه، ويبني صورته، دون أن يعيد التفاوض على عقد جديد لتناوب جديد، ثم جاءت انتخابات 2002، فحصل حزب الوردة، رغم تواضع حصيلته في حكومة التناوب، على المرتبة الأولى، وعوض أن يجدد الملك ثقته في وزير أول له كاريزما وله تاريخ ويده نظيفة، اختار تقنوقراطيا كان وزيرا للداخلية، فعينه وزيرا أول أمام ذهول الجميع. عندها غضب اليوسفي، وأصدر البلاغ المشهور الذي يصف قرار الملك بأنه خروج عن المنهجية الديمقراطية، وانسحب من قيادة الحزب ومن العمل السياسي، بعدما ألقى بلاغا في بروكسيل كان عبارة عن نعي صريح للانتقال الديمقراطي في المغرب في ظل الشروط التي كانت قائمة.

استقال اليوسفي من الحزب لسببين، في ما أظن؛ أولا لأنه صدم في القصر الذي لم يكافئه بما يستحقه بعد كل التضحيات التي قبل بها، واستقال، ثانيا، لأنه يعرف حزبه جيدا، ويعرف النخب القديمة التي تعبت من النضال، والجديدة التي لا تريد أن تخرج من الحكومة، وترغب في البقاء قريبة من دار المخزن، ولن تعدم التبريرات لذلك، ومنها «استكمال الأوراش التي بدأها اليوسفي»، و«الخوف من القطيعة مع الملك الشاب»، و«الخوف من الإسلاميين الذين يسعون إلى نشر الظلام في المجتمع»، وغيرها من فصول الأدب التبريري الذي يبرع فيه المغاربة عندما تخونهم الشجاعة الأدبية والسياسية.

لهذا نزل اليوسفي من سفينة الاتحاد المثقوبة، لكن بعدما أوصلها إلى مرفأ انتخابات حصل فيها الحزب على المرتبة الأولى، تماما كما فعل بنكيران بالأمس، ولو استمر اليوسفي في قيادة الاتحاد الاشتراكي بعد 2003، لسمع ما يسمعه بنكيران اليوم، من أنه يشوش على الحكومة، ويسعى إلى القطيعة مع الدولة، ويبدد رصيد الثقة بين الحزب والقصر… لهذا، على القرصان أن يتوقف عن الكلام في سيرة الربان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القرصان ينتقد الربان القرصان ينتقد الربان



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca