أخلاق الدولة في خطر..

الدار البيضاء اليوم  -

أخلاق الدولة في خطر

بقلم : توفيق بو عشرين

نفى وزير ما بات يعرف بوزارة الداخلية في التعليم، محمد حصاد، أن تكون وزارته قد أعفت أطر جماعة العدل والإحسان من مسؤولياتهم في الإدارة بسبب انتمائهم السياسي، وقال الوزير، في جواب عن سؤال لفريق العدالة والتنمية في البرلمان، إن هؤلاء، الذين جرى نزع المسؤوليات منهم، «لم تعد لهم مؤهلات في مجالاتهم، وما وقع هو أن المهمات التي كانوا مكلفين بها لم يعودوا مسؤولين عنها»، وشدد الوزير على أن «القضية تم تهويلها، وهي لا تستحق».

ونحن سنأخذ بنصيحة وزير الداخلية في التعليم، ولن نهول الأمر، ولن ننفخ فيه، لكن نسأل سيادتك: كيف جرى تقييم أداء 125 إطارا في الإدارة، معروفين بانتمائهم إلى جماعة العدل والإحسان، في أسبوع واحد، وفي عدة وزارات، وجرى إعفاؤهم من المسؤوليات التي تقلدوها لسنوات في الإدارة، دون غيرهم من الموظفين؟

يا سبحان الله، هل هي صدفة أن تقوم أكثر من سبع وزارات بتجريد هؤلاء الأطر من المهام التي كانوا يشرفون عليها في أسبوع واحد، دون أن يكون هناك اتفاق ولا قرار سياسي أو أمني يقضي بذلك، بل مجرد تقييم موضوعي لأداء هؤلاء الأطر الذين يجمع بينهم قاسم واحد لا غير: انتماؤهم أو قربهم من جماعة العدل والإحسان؟ الوزير الذي حمل معه ثقافة الداخلية إلى التعليم لا يرى أن هذا القرار يخرق الدستور لأنه يمس بحقوق المواطن، ويخرق مبدأ المساواة، ولا يرى أن هذا القرار فيه شطط في استعمال السلطة. لا يرى كل هذا لأنه يضع نظارات أمنية، وهو، في البداية والنهاية، من نادي خدام الدولة les intouchables.

لم تكمل بعد حكومية العثماني شهرا على تنصيبها وها هي بدأت تغرق في بحر من السياسات الخاطئة، وكل يوم تطلع علينا بزلة، بفضيحة، بمنع، بتبرير لا يحترم ذكاء المغاربة: حراك الريف وراءه مطالب انفصالية وتمويله من الخارج. ندوة الملكية البرلمانية، التي منعت في الرباط، كانت تهدد الأمن والاستقرار. إعفاء أطر جماعة العدل والإحسان من مواقع المسؤولية في الإدارة كان نتيجة كسلهم وتهاونهم في أداء عملهم…

الدولة قد تضعف، قد ترتبك، قد تخطئ في التقدير، قد لا تقول كل الحقيقة، لكنها لا تكذب، لكي لا تنزع عنها الضمير الأخلاقي الذي يعطيها الشرعية والمشروعية أمام الشعب وأمام التاريخ. وزراء كثيرون وبعض الرؤساء سقطوا في الدول الديمقراطية لأنهم كذبوا على شعوبهم، أما المسؤولون عندنا فلا ينتبهون إلى ما يخرج من أفواههم.

بمثل هذه الأخطاء، وغيرها، تحول الدول المواطنين من معارضين لقرار إلى معارضين لسياسة عامة، ومن معارضين لسياسة عامة إلى معارضين لحكومة، ومن معارضين لحكومة إلى معارضين لنظام، ومن معارضين لنظام إلى معارضين للدولة، التي من المفروض أن تكون خيمتهم التي تقيهم برد الفوضى وحر الحرب الأهلية ورياح الأطماع الأجنبية.

عندما تحرم مواطنا مغربيا، اختار الانتماء إلى جماعة العدل والإحسان، من حزب سياسي، ومن نقابة، ومن جمعية، ومن جريدة، ومن الظهور في التلفزة العمومية التي يمولها من ضرائبه، ثم تتبعه إلى مكان عمله ومورد رزقه، وتحرمه من الترقي في المسؤولية، فأنت تحوله، بوعي أو بدونه، من معارض للحكومة إلى مناهض للنظام، ومن رافض للواقع إلى عود ثقاب سيحرق البيت ومن فيه. هذا له اسم واحد: تربية المواطنين على الحقد على دولتهم، والأكثر من هذا أنه تجري كل يوم عملية دمج خطيرة بين السلطة والنظام، وبين النظام والدولة دون تمييز.

أحد مديري المسارح العمومية في فرنسا (موظف عمومي)، كان شديد اللهجة في انتقاد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، حتى إنه قال عنه مرة في التلفزيون: «عار على فرنسا أن يكون ساركوزي رئيسها»، سأله أحد المثقفين العرب: «ألا تخاف على منصبك من النقد الشديد لساركوزي، وهو رئيس للدولة، وله سلطة، كما تعلم، كبيرة؟ ألا تتوقع منه رد فعل انتقاميا تجاهك؟»، فاستغرب مدير المسرح الفرنسي هذا السؤال وقال: «لماذا تفكر هكذا؟ أنا لا أشتغل عند ساركوزي.. أنا أشتغل عند الدولة الفرنسية، وأنا لا أحاسب على آرائي السياسية، أنا أحاسب على أدائي لعملي، والقانون في صفي والقضاء يحميني». سكت العربي وقد أحس بالعرق يتصبب من ظهره.

تابعوا ناصر الزفزافي، الذي تحول إلى «تشي غيفارا» الريف، كيف يتحدث عن دولته فيلقبها بالدولة المخزنية، وكيف يسمي النظام، الذي عمره أربعة قرون، بالنظام التسلطي، وكيف يلقب قوات الأمن، التي من المفروض أن ترعى أمنه واستقرار بلده، بالقوات القمعية، أما الحكومة الجديدة فقد وضع لها لافتة في أكبر شارع بالحسيمة كتب عليها سؤال كبير يقول: «هل أنت حكومة أم عصابة؟».

ناصر الزفزافي هو ابن هذه الأرض التي تزرع فيها السلطة الخوف والإهانة والتسلط والفقر والهشاشة وعدم المساواة في الحقوق، وديمقراطية الواجهة، والتحكم في الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني… فتنبت اليأس والغضب والحقد والتمرد على كل شيء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخلاق الدولة في خطر أخلاق الدولة في خطر



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca