هل الاحتجاجات حرام أم حلال؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل الاحتجاجات حرام أم حلال

بقلم - توفيق بو عشرين

بجلبابه الأبيض وبعصاه، وقف يعظ المؤمنين من فوق المنبر يوم الجمعة، فيقول: (أيها الناس اسمعوا وعوا يرحمكم الله، اجتنبوا الفتنة لعلكم تفلحون، واجتنبوا التظاهرات والاحتجاجات والمسيرات والإضرابات، إنها من عمل الشيطان،) فوقف واحد من المومنين وسط المسجد يسأل بطريقة استنكارية: (أيها الفقيه واش حتى المسيرات السلمية حرام؟)، فيجيب الإمام من فوق المنبر: (لا فتح بعد فتح مكة، ولا مسيرة بعد المسيرة الخضراء … الفتنة نائمة، لعنة الله على من أيقظها ومن أيقظ الحكام من سباتهم. اعلموا أيها المؤمنون إن الدنيا دار فناء، فلا تنافسوا فيها على شيء. معشر الفقراء عليكم بالجوع، جوعوا تصحوا، وابتعدوا عن اللحم والدجاج والسمك، عليكم باللفت ولا تلتفتوا إلى الحياة الدنيا).. بعد عشر دقائق من الموعظة يمر الخطيب إلى الدعاء، فيخص أفضله للحكام فيقول: (اللهم أكثر حساد حكامنا، واحفظهم من الثورات والاحتجاجات والمسيرات، ونجهم يا أرحم الراحمين. واللهم إنك تعلم أن قلوب حكامنا مرهفة فنجيهم من الزفزافة والقفقافة واعط كل مغرض تلافة، واجعل للسلطة في كل زقاق عياشا، يا أرحم الراحمين …).

كان هذا نص فيديو ساخر يروج بكثافة على الواتساب بين المغاربة، والمناسبة هي محاكمة قائد حراك الريف ناصر الزفزافي بتهمة إفساد طقوس العبادة داخل المسجد بالاحتجاج على خطيب مسجد محمد الخامس في الحسيمة، الذي وصف الاحتجاجات السلمية في الريف بالفتنة، واعتبر الخروج إلى الشارع خروجا على ولي الأمر… جاء الشريط ليسخر بطريقة ذكية من توظيف الدين في السياسة واستعمال منابر الجمعة لتصريف خطاب السلطة إزاء أزمة الريف، في الوقت الذي فشلت الحكومة في إخمادها…

هذا الشريط الذي اطلع عليه ملايين المغاربة في هواتفهم المحمولة يعبر عن رفض الجيل الجديد من الشباب، أكثر من غيرهم لاستعمال المساجد والخطب والأئمة والدين في السياسة، وفي لعبة السلطة. إن توظيف المقدس في تبرير قرارات السلطة لم يعد يثير الرفض فقط، بل يثير السخرية أيضا، وهذا مستوى متقدم من استهجان اللعب بالخطباء المساكين من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. فإذا كان المغاربة يعتزون بانتمائهم الديني ويتشبثون بهويتهم الإسلامية، فهذا لا يعني أن يصبح الإسلام خرقة لتغطية الاختلالات التي تطبع السياسات العمومية للدولة أو الحكومة أو الأحزاب أو الإدارة. وإذا كان الدستور يعطي للملك وظيفة دينية تحت لقب إمارة المؤمنين، فذلك من أجل منع توظيف الدين في الحياة السياسية من قبل الجميع، أحزابا وحركات وتيارات وحتى من قبل الدولة. إمارة المؤمنين مؤسسة رمزية وهي بمعنى من المعاني تحييد للشأن الديني أو لنقل (تأميم للدين)، ومنع توظيفه من قبل الجميع في الانتخابات أو في إدارة الحكم. لقد تجاوز مجتمعنا الفتاوى الدينية التي كان الملك الراحل حسن الثاني يستعملها مع المعارضة في تأويل الدستور وفي خرق استقلال القضاء، وفي فرض قرارته على الجميع باسم (سِبْط الرسول)، وباسم (ولي الأمر). ما يجمع المغاربة اليوم، مع العرش ليس البيعة ولا الطاعة، ما يجمع المغاربة اليوم، مع المؤسسة الملكية هو التعاقد على دستور صوت عليه المواطنون، وهو التزام مدني من طرفين، فيه حقوق وواجبات، وإذا كان مجتمعنا محافظا ويعطي للدين مكانة كبيرة في حياته الخاصة والعامة، فهذا لا يعني أن الدولة ستستغل هذا الرأسمال الرمزي لكي تمنع الشعب من المطالبة بحقوقه والخروج في مسيرات سلمية وفي تظاهرات احتجاجية. هذا أمر يؤطره القانون وليس فقه الفتنة والأحكام السلطانية، وإلا فإن من يخضع الناس بالدِّين سيعارضوه بالدِّين نفسه، وعندها سنسقط في الفتنة الحقيقية. إذا كان الرأي العام يرفض استعمال الإسلاميين معتدلين ومتطرفين للدين في السياسة، فليس معنى ذلك أنه سيسمح للدولة بجلده بسوط المقدس… لسنا دولة علمانية، ولكننا لسنا في دولة دينية… نحن في دولة مدنية يتطلع مواطنوها ليعيشوا عصرهم، لا ليعيدوا القرون الوسطى في جلباب جديد..

لم يكن الدين طيلة تاريخ المسلمين واليهود والنصارى بعيدا عن السياسة، وعن السلطة تحديدا، حيث كان رجال الدين عموما حلفاء للملوك والأباطرة والأمراء والحكام ضد شعوبهم، يبررون حكم القوي ضد الضعيف، لكن وقبل أكثر من قرنين أخرجت موجات الإصلاح الديني والثورات الأوروبية وفي مقدمتها الثورة الفرنسية الكنسية من الحكم، والدين من السياسة، والمسيحية من الصراع على السلطة، وصار تدبير الحكم بين البشر اختصاصا أرضيا لا سماويا، لأن فكر النهضة، ثم الأنوار ثم الحداثة، حرر الفكر السياسي من سطوة رجال الدين. أما في عالمنا العربي، فمازال الدين رأسمالا سياسيا توظفه الدولة لإخضاع رعاياها وسلب إرادتهم عن طريق تأويل للإسلام يجعل منه إيديولوجية سلطوية وليس فلسفة تحررية، ولأن سلاح الدين خطير، فإن المعارضين أيضا استعملوه في طريقهم لطلب السلطة، ولكم في “داعش” عبرة يا أولي الألباب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل الاحتجاجات حرام أم حلال هل الاحتجاجات حرام أم حلال



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 12:24 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

عودة الإلترات

GMT 07:22 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

زوري أيسلندا للتمتع بمغامرة فريدة من نوعها

GMT 01:38 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

ميغان ماركل تنوي شكر صديقاتها في حفلة زفافها الثانية

GMT 06:54 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يوضّح كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 05:59 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

5 حيل ذكية لتهدئة بكاء الطفل سريعًا

GMT 12:20 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

حسين فهمي وشيري عادل يفضلان الرسم ومحمد رمضان يعشق الرياضة

GMT 00:17 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة بريطانية تتيح درجة البكالوريوس في "البلايستيشن"

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 12:35 2018 الجمعة ,08 حزيران / يونيو

توقيف محامي في تطوان مُتهم بتزوير أختام الدولة

GMT 04:53 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

طرق ترطيب الشعر الجاف في فصل الصيف

GMT 07:22 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

"لاند روڤر" تُطلق أوّل سيارة كوبيه فاخرة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca