سكوت.. إننا نقتل المدرسة العمومية!

الدار البيضاء اليوم  -

سكوت إننا نقتل المدرسة العمومية

بقلم - توفيق بو عشرين

الذي يقرأ التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات حول أوضاع المدرسة العمومية، سيرفع يده إلى السماء ويقول، اللهم لا تجعل أبنائي يضعون رجلهم في مدارس الدولة، اللهم لا تجعلهم عرضة لهذه الفوضى التي تتلاعب بمصير أكثر من 6 ملايين من أبناء المغاربة، الذين يضطرهم الفقر والفقر وحده إلى وضع فلذات أكبادهم في مدارس 50 ألفا من أقسامها يضم ما بين 40 و80 تلميذا وتلميذة (المعدل الدولي لعدد التلميذ في القسم هو 20) .

لا تعاني المدارس المغربية من ظاهرة الاكتظاظ فقط، بل تقاسي من خصاص مهول في عدد الأساتذة، إذ يصل اليوم إلى أكثر من 16 ألف معلم وأستاذ، وهو ما يجعل عددا كبيرا من المدارس يخفضون ساعات التدريس إلى النصف، لأنهم لا يتوفرون على ما يكفي من الأساتذة، في الوقت الذي يوجد على دكة الاحتياط 14 ألف معلم وأستاذ فائض في مدارس كبريات المدن، لا تستطيع الوزارة إجبارهم على إعادة الانتشار في أماكن الخصاص، لأن الأكاديميات والوزارة تخاف من النقابات التي أصبحت تتصرف بمنطقن أنصر المعلم والأستاذ ظالما أو مظلوما…

ولأن المدارس تعاني من نقص في عدد الأساتذة (وهنا نتحدث عن الكم، أما الكيف luxe، فهذا لا يطمع فيه أحد الآن)، فإن الإدارة التربوية تعمد إلى إلغاء بعض المواد من المقرر، أو إعطاء مواد إلى أساتذة غير متخصصين، كأن يدرس أستاذ التربية الإسلامية مادة التاريخ والجغرافيا، وأستاذ الطبيعيات مادة الرياضيات، وأستاذ الإنجليزية مادة الفرنسية.. ففي النهاية الجميع مقتنع أن التلاميذ على مقاعد مدرسة الدولة لا مستقبل لهم، فلا فرق بين أن يدرسهم أستاذ مختص في المادة أو غير مختص، الأمران سيان مادام المصير هو الشارع والبطالة.

نقرأ في تقرير إدريس جطو أرقاما وحقائق لا توجد إلا في المغرب، مثل 40% من أساتذة الابتدائي يدرسون ساعات أقل من الحصة القانونية، حيث يشتغلون فقط، 14 الساعة عِوَض 21 ساعة في الأسبوع، و42% من أساتذة الإعدادي يدرسون 18 الساعة في الأسبوع عِوَض 24 ساعة المطلوبة منهم. وفي الوقت الذي تعاني فيه المدارس والأقسام من اكتضاض مهول، نجد في المغرب 1000 مدرسة مغلقة، وأكثر من 16 ألف قاعة تدريس جيدة لا يتم استغلالها، في المقابل يحشر التلاميذ في 9000 قسم غير صالح للتدريس، في مؤسسات تفتقر إلى الحد الأدنى من التجهيزات، وفي مقدمتها المراحض لأن هذا الكم الهائل من المدارس غير موصول بشبكة الماء والكهرباء… أما في الداخليات، فإن 7023 مؤسسة ليس بها مطاعم، ويجري توزيع الطعام على نصف مليون تلميذ في الهواء الطلق، تصرف عليهم الدولة الكريمة درهما ونصف لكل وجبة !

هكذا رسم تقرير المجلس الأعلى للحسابات صورة سوداء عن شروط الحد الأدنى للعملية التربوية والتعليمية، أي القسم والأستاذ والمدرسة والمطعم والمرحاض، أما مضمون التعليم وجودته، ومستوى التلميذ والأستاذ والمدير والأكاديمية والوزارة وطبيعة المقرر ومخرجات العملية البيداغوجية، فلا تسأل عليها أحد… لأن نتائجها بادية للعيان في مستوى التلاميذ العلمي، حيث لا يجيد أغلبيتهم الساحقة لا اللغة العربية ولا الفرنسية ولا الحساب. أمس، أعلن عن نتائج امتحانات الباكالوريا، حيث لم ينجح سوى 50% من التلاميذ الذين اجتازوا الامتحانات، فيما رسب الباقي. ولا تسأل عن معدلات الناجحين، ومستوياتهم، فهذا مما يُدمي القلب، في الوقت الذي يبلغ معدل النجاح في الباكالوريا في فرنسا مثلا أكثر من 80%! أما أخطر من هذا الواقع، هو أن يعرف المغاربة ألا وجود على طاولة الحكومة لمشروع جدي لإصلاح المدرسة العمومية، وكل ما هنالك ترقيعات ووصفات سيجبرها حصاد وسيلغيها من سيأتي بعده.

يجب على جميع الحكومات التي تعاقبت على المغرب أن تخجل من نفسها وهي تقرأ هذه الأرقام، وعلى وزراء التعليم الذين جلسوا على كرسي الوزارة أن يقدموا اعتذارا للمغاربة على جريرة المشاركة في قتل المدرسة العمومية، وعلى النقابات التي تدافع عن الأساتذة والمعلمين الكسالى أن تستحيي من نفسها، وتكف عن اللعب بمستقبل أجيال بأكملها من أجل الريع النقابي، وعلى الدولة أن تتحمل كلفة العبث بمستقبل أولاد الشعب، وعلى المغاربة أن يروا أنفسهم في مرآة هذه الأرقام المخجلة، ويسألوا أنفسهم ماذا فعلوا لإنقاذ تعليم أبنائهم؟ ولماذا تواطؤا على الصمت وهم يَرَوْن التعليم يقتل، والمدرسة تدفن، والسلم الاجتماعي يقطع بين الطبقات، ومعه الأمل في الترقي الاجتماعي، ليلد الفقير فقيرا، والعاطل عاطلا، والكادح كادحا مثله، والغني غنيا والمحظوظ محظوظا؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سكوت إننا نقتل المدرسة العمومية سكوت إننا نقتل المدرسة العمومية



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca