نصيحة الحاج باحنيني

الدار البيضاء اليوم  -

نصيحة الحاج باحنيني

بقلم - توفيق بو عشرين

اختار الملك محمد السادس أن يترك تشخيصه لأزمة البنية الحزبية والإدارية مفتوحا، حيث لم يعقب خطاب العرش، الذي كان صادما للرأي العام، أي قرار أو إجراء، وتوجه الملك في خطاب 20 غشت للحديث عن دبلوماسية المغرب في إفريقيا، وعلاقتها بتدبير ملف الصحراء، بكل تعقيداته السياسية والقانونية والإقليمية. ماذا يعني هذا؟

طبعا القصر لا يشرح قراراته، وعلى الرأي العام وعلى المحللين أن يجتهدوا في فهم منهجية تفكير الجالس على العرش، وإن كان الأمر لا يخلو من صعوبة أحيانا. يحكي أحد الوزراء المخضرمين أنه لما عين في إحدى حكومات الثمانينات مديرا عاما بظهير شريف، تلقى نصيحة خاصة من الوزير الحاج امحمد باحنيني، الذي تولى حقيبة الثقافة لمدة طويلة، وكان يعرف دار المخزن جيدا. قال الحاج للشاب حديث العهد بالمسؤولية: «يجب أن تعرف من اليوم أنك كنت حرا قبل أن تعين، وأنك الآن مخزني بالشاشية، وعليك أن تكون في الخدمة طوال الوقت. ثانيا، يجب أن تضع في رأسك أن الملك لا يفكر مثلك، ولا يأكل مثلك، ولا يشرب مثلك، ولا ينام مثلك، ولا يشتغل مثلك. إنه ملك وله أسلوبه الخاص»

لنعد الآن إلى دلالات إغلاق الملك ملف أعطاب المشهد الحزبي ونزع الثقة الملكية من النخب الحزبية… كان جل المراقبين يعتقدون أن الملك سيتصرف مثل طبيب، بعد التشخيص، سيكتب العلاج للأحزاب المريضة والإدارة المعطوبة، إما دواء، أو حمية، أو عملية جراحية، أو نصيحة بالخلود إلى الراحة وانتظار الموت… لكن الملك فاجأ الجميع، ولم يرجع في خطاب 20 غشت إلى الموضوع، وهذا ما حمل الناس على تأويل الأمر على مذهبين، التأويل الأول يقول إن الملك أثار انتباه الأحزاب السياسية والآلة الإدارية إلى أعطابها، ورجع إلى الوراء ليرى هل رسالته وصلت إلى أحزاب الأغلبية والمعارضة.. إلى الحكومة وإلى الإدارة أم لا، فليس مطلوبا من رئيس الدولة أن يتصرف كـ«سلطان» يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، من داخل الدستور ومن خارجه، وأن مهمته تقف عند إطلاق صفارة الإنذار، أما الباقي فعلى كل طرف أن يتحمل فيه المسؤولية.

التأويل الثاني يقول إن القصر ليس لديه الآن جواب عن أزمة الأحزاب والإدارة، وإن الملك عندما ألقى بحجر كبير في بركة الأحزاب والإدارة، لم يكن لديه جواب عن سؤال: ثم ماذا بعد؟ لذلك، في الخطاب الثاني، الذي جاء بعد 20 يوما من الخطاب الأول، لم يتابع موضوع خطاب العرش، بل انتقل إلى موضوع آخر بعيد تماما، أما عن المستقبل، فجل المتابعين يرون أن التشخيص القاسي الذي قدمه الملك للأداء الحزبي والإداري، على خلفية حراك الريف وفشل المؤسسات في التعاطي معه، سيترك آثارا يصعب التغاضي عنها في الأشهر المقبلة وليس في السنوات المقبلة، ومنها:

أولا: خطاب الملك زاد من إضعاف الجهاز الحكومي الهجين أصلا، وغير القادر على تثبيت مشروعيته في المجتمع، نظرا إلى ظروف ولادة حكومة العثماني، وتوزيع مصادر القرار داخلها. الخطاب الملكي زاد من ضعفها عندما حمل الملك مسؤولية الأزمة في الريف وغير الريف لحكومتها وأحزابها وإدارتها بل وشكك حتى في سلامة ونوايا القائمين عليها.قال الملك: «شعبي العزيز، إني ألح هنا، على ضرورة التفعيل الكامل والسليم للدستور.كما أؤكد أن الأمر يتعلق بمسؤولية جماعية تهم كل الفاعلين، حكومة وبرلمانا، وأحزابا، وكافة المؤسسات، كل في مجال اختصاصه».

ثانيا: خطاب العرش عرى ما بقي من أوراق التوت فوق عورة الأحزاب والإدارة، وقدمهما للمغاربة على أساس أنهما يستحقان المحاكمة أمام القضاء بتهمة الخيانة العظمى لأنهما تخليا عن واجباتهما أمام الشعب، وراحا يخدمان مصالحهما الخاصة، حيث قال الملك في مقطع قوي: «أنا لا أفهم كيف يستطيع أي مسؤول، لا يقوم بواجبه، أن يخرج من بيته، ويستقل سيارته، ويقف في الضوء الأحمر، وينظر إلى الناس، دون خجل ولا حياء، وهو يعلم بأنهم يعرفون أنه ليس له ضمير. ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم، رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله، والوطن، والملك».

ثالثا: خطاب العرش أصدر حكمه النهائي على المشهد السياسي ما بعد انتخابات السادس من أكتوبر 2016، فإذا كان الاقتراع التشريعي لم يفرز مؤسسات ونخبا وتركيبة في الحكم قادرة على تمثيل المواطنين، وعلى حل مشاكلهم، وغير قادرة على نيل ثقة الجالس على العرش، وإعطاء أمل في الغد للشعب، فهذا معناه أن جوهر العملية السياسية ضاع، وأن الدولة اعترفت بوجود فراغ خطير في العلاقة بين الشعب وبين من يحكمه، وأن الملك لا يمكن لوحده أن يصير حلقة الوصل الوحيدة بين الشعب والقرار، وإلا فإن البناء الدستوري والقانوني والمؤسساتي في البلاد قد يتعطل، لذلك، ليس من الغباء ولا من المزايدة السياسية أن يُقترح، في إطار النقاش العمومي، حل البرلمان والرجوع إلى الشعب بحثا عن مشهد انتخابي جديد قادر على الجواب عن أسئلة المرحلة، وضرورات الخروج من الأزمة، عوض الذهاب إلى حالة الاستثناء غير المبررة دستوريا والمكلفة سياسيا، أو إبقاء الجرح مغطى بحكومة ضعيفة وأحزاب واهنة إلى أن يتقيح، وبعدها سنصبح في أزمة أكبر وبخيارات محدودة جدا.

حراك الريف مازال مفتوحا على تطورات جديدة مادام العلاج السياسي لم يجرب، والأحزاب، كل الأحزاب، تعيش أزمة عميقة، وتزداد ضعفا أمام رأي عام يغلي، ولا يشعر بأن هناك من يمثله، لذلك يحمل مطالبه إلى الشارع، وصوته إلى ساحات التظاهر، دون وسطاء ولا تفاوض ولا صبر، والوضع الاقتصادي والاجتماعي يسوء يوما بعد آخر، ويكفي الإنسان أن يطلع على التقارير الدولية والمحلية ليقف على الحقيقة دون رتوش. الأزمة أعمق مما نتصور، وهي تتطلب ذكاء جماعيا ومناخا صحيا وشجاعة سياسية ومنظورا استراتيجيا، وإلا فليس أمامنا إلا نصيحة الحاج باحنيني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصيحة الحاج باحنيني نصيحة الحاج باحنيني



GMT 04:10 2017 الجمعة ,01 أيلول / سبتمبر

هل يثق العرب فى بعضهم؟

GMT 05:22 2017 الخميس ,31 آب / أغسطس

من قتل ناجي العلي؟

GMT 05:19 2017 الخميس ,31 آب / أغسطس

جلب وليد الكردي.. وقرار الثلاثاء المفاجىء

GMT 05:17 2017 الخميس ,31 آب / أغسطس

لا تقل هذا خطأ وتصمت قل لنا ما هو الصواب

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca