بقلم - توفيق بو عشرين
12 إسبانيا من أصل مغربي روعوا العالم الأسبوع الماضي، عندما اختاروا شهر غشت، وساحة لرمبلا ramblas في برشلونة، وشاحنة، ومراهقا عمره 17 سنة لتنفيذ عملية إرهابية قتل فيها 15 إنسانا بريئا، وجرح 118 من السياح ضمنهم ثلاثة مغاربة.
ماذا جرى حتى لوث هؤلاء الشباب اسم المغرب ودين الإسلام بدماء بريئة في قلب أوروبا؟ قبل أكثر من ستة أشهر، بادر «إمام» اسمه عبد الباقي العيساتي، خريج سجون، حيث سبق أن اعتقل بجريمة تهريب المخدرات، وأطلق سراحه سنة 2012.. بادر هذا الإمام، الذي يحفظ شيئا من القرآن، إلى إقناع بعض الأسر في قرية ريبول، التي تبعد عن برشلونة بحوالي 15 كيلومترا، بتأسيس مسجد في القرية يكون خاصا بشلوح الأطلس، حتى لا يظلوا تابعين لمسجد آخر أسسه الريفيون هناك… لعب عبد الباقي على النزعة العرقية لدى بعض العائلات البسيطة هناك، وحصل على وظيفة إمام مسجد النور، حيث كانت الأسر تسهم في ما بينها لجمع 700 أورو تعطيها كأجر شهري للإمام عبد الباقي (45 سنة)، الذي سبق أن رفض مغاربة في بلجيكا خدماته الدينية، لأنهم لم يثقوا في مؤهلاته العلمية، ولا في سلامة حمله للقرآن الكريم… وهكذا بدأ عبد الباقي يجمع حوله شباب القرية، ويلقنهم دروسا عادية في النهار، أما في الليل فكان يشتغل لحساب داعش، حيث نسج خيوطا مع تنظيم البغدادي في العراق، الذي زوده عبر النيت بتقنيات غسل دماغ الشباب، وبتكنولوجيا صناعة المتفجرات، والتخطيط لأعمال إرهابية ووحشية، وهكذا جند هذا الإمام أكثر من 11 شابا أصغرهم موسى أوكبير الذي ينحدر من بني ملال (17 سنة)، والحسين أبويعقوب (18 سنة)، الذي ينحدر وأخوه يونس أبويعقوب (22 سنة) من إقليم خنيفرة، إضافة إلى سعيد علا (19 سنة)، ومحمد شملال (22 سنة)، وكريم الصالحي، ومحمد هيشمي (24 سنة)، وقبل شهرين من عملية لرمبلا، ودع الإمام معارفه في قرية ريبول، وأخبرهم بأنه راجع إلى المغرب، وأنه لن يكمل عمله في مسجد النور، والحقيقة أنه أكمل مهمته على الوجه المطلوب، فقد اكتملت الخطة، وحان وقت التنفيذ.
انعزل العقل المدبر في شقة ببرشلونة مع 150 قنينة غاز و12 إرهابيا أصبحوا جاهزين لتنفيذ أي شيء يطلب منهم لصالح داعش التي زرعت الخلية في إسبانيا.. لحسن الحظ وقع تماس كهربائي في الشقة التي أصبحت قنبلة موقوتة، فانفجرت قبل ساعة الصفر، وقبل توزيع قنينات الغاز هذه، التي تحولت إلى قنابل، على عدة مواقع مأهولة بالسياح والسكان في برشلونة، وهو ما دفع الخلية إلى الإسراع في تنفيذ ما قدروا عليه من الخطة الأصلية للعملية، حيث ركب إدريس شاحنة مجنونة، ودهس المئات في أشهر ساحة في برشلونة، فيما حمل أربعة آخرون أسلحة بيضاء، وقصدوا الشارع لتوزيع القتل العشوائي على كل من يجدونه في طريقهم، قبل أن يقتلوا برصاص الشرطة.
هذه هي الوقائع كما رواها الأمن الإسباني وصحافة الجزيرة الإيبيرية، أما دلالاتها فمازال الوقت مبكّرا لجمع كل خيوطها، لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى بعضها:
أولا: خلية 12 مغربيا، باستثناء رأس الأفعى، كلهم دون الثلاثين سنة، وبعضهم أقل من 18 سنة، ولا سوابق جهادية لهم، ولا انتماء فكري أو إيديولوجي لهم، بل بالعكس بعضهم أقرب إلى عالم الإجرام منه إلى أي نوع من التدين أو الالتزام الأخلاقي أو القيمي، وهذا يكشف التقنيات الجديدة لاصطياد شباب صغير أو جانح، أو يعيش في أسر مفككة وغير مندمجة في محيطها الأوروبي، علاوة على فعالية تنظيم داعش في تجهيز مقاتليه وغسل أدمغتهم عبر النيت، وبواسطة خلايا معزولة وشبه مستقلة وبإمكانات بسيطة جدا.
ثانيا: جل هؤلاء ولدوا أو كبروا فوق الأراضي الإسبانية، ويحملون جنسيتها، ودرسوا في مدارسها، ولا تربطهم بالمغرب غير أسمائهم، وانتماء مفترض إلى دين الإسلام كما تعلّموه من «إمام» مزور كان يتاجر في المخدرات، وعثر على سوق الجهاد العالمي فصار من مورديه، مستغلا حداثة سن الشباب، وتفكك بعض أسرهم، وضياع الجيل الثاني والثالث في بلاد لا يعرف كيف يعيش فيها، فاختار كيف يموت ويقتل فيها.
ثالثا: ما يقوله الغرب عن استعمال المساجد لترويج الفكر الديني المتطرف في نسخته الوهابية والقاعدية والداعشية صحيح، وليس كليشيها من الكليشيهات التي تربط بالإسلاموفوبيا، وهذا ما يبرر دعوات وزارات الداخلية في أوروبا إلى خلق إسلام أوروبي منفصل عن الإسلام المشرقي، أو بالأحرى، التدين الشرقي الذي اختطف منذ عقود من منارات الإسلام المعتدل في الأزهر والزيتونة والقرويين وبغداد ودمشق… لصالح الإسلام الوهابي وتيارات الإسلام السياسي الغاضبة والناقمة من الاستبداد والفساد المنتشرين في بلاد العرب والأمازيغ.
رابعا: في كل مرة يضرب الإرهاب في أوروبا نجد مغاربة هناك، بالجنسية أو الولادة أو الاسم أو الأصل، وهذا معناه أن كل التيارات الدينية الراديكالية وغير الراديكالية في الشرق والغرب تجد في مهاجري المملكة الشريفة أو مواطنيها الأصليين خزانا بشريا جاهزا للاستعمال، وجاهزا للانخراط في مشاريع الإرهاب العالمي والجهاد العابر للقارات، وهذه الظاهرة تلقي الضوء على ثلاث سياسات عمومية مغربية فاشلة: الأولى هي سياسة الهجرة وغياب التأطير، والمساعدة على اندماج ملايين المغاربة في بلدان أخرى، خاصة في الغرب، وتحصينهم من رياح تعبث بهم وبأطفالهم. والسياسة العمومية الثانية الفاشلة هي سياسة التأطير الديني، وترشيد التدين، وزرع قيم الوسطية والاعتدال والعقل في نفوس مواطني دولة المغرب في الداخل والخارج (ثاني أكبر المجندين في صفوف داعش مغاربة، والذي قتل شاه مسعود في أفغانستان مغربي، وعدد من أطر القاعدة كانوا مغاربة). وثالثا، فشل التعليم، وانحطاط المدرسة التي لا تعلم فقط دروس القراءة والكتابة والحساب، لكنها تعلم الفكر النقدي، واستعمال العقل لفرز أسباب الحياة عن أسباب الانتحار.
هناك أسباب أخرى تتعلق بدول الاستقبال، والظرفية العالمية، واختلال النظام الدولي، واتساع الفوضى الذي استغله الإرهاب لتصير له دولة وشبكات وقاعدة خلفية تصطاد الحلقات الضعيفة لتجعل منها حطبا للقتل الأعمى.