رئيس vierge

الدار البيضاء اليوم  -

رئيس vierge

بقلم : توفيق بو عشرين

ماذا أعجب 21 مليون ناخب فرنسي في الفتى البنكي إيمانويل ماكرون، فحملوه على أكتافهم إلى قصر الإليزيه؟ وما الداعي إلى كل هذا الإعجاب المتدفق من كل القارات إلى أرض فرنسا العجوز، التي أهدت هذا الوجه الليبرالي الوسيم إلى العالم؟

سوسيولوجيا الانتخابات ستجيب عن هذا السؤال بعد أشهر، والمؤرخون سيقولون كلمتهم بعد سنوات، عندما تبرد الأوضاع، ويستقر الوافد الجديد في قصر الحكم، لكن هذا لا يمنع الصحافي من محاولة كتابة بروفايل سريع لأصغر رئيس في تاريخ فرنسا، عل بعض أسرار الإعجاب بماكرون تتضح بعيدا عن مفعول الكاميرا وأضواء المنصات وتقنيات التسويق السياسي.

منذ اللحظة الأولى تبرأ ماكرون من اليسار واليمين والوسط التقليدي، وأعلن أنه مرشح من خارج النظام systèmes، الذي مر منه لكنه لم يطبع مع عاهاته، فأسس حركة ‘‘إلى الأمام’’ من وسط المجتمع المدني، بخليط واسع من الشباب من مختلف المشارب والفعاليات المهتمة بالبيئة وحقوق النساء والاقتصاد الاجتماعي وتخليق الحياة العامة والهجرة والتكنولوجيات الحديثة… منذ اللحظة الأولى أعلن ماكرون ورفاقه أنهم يمثلون القطيعة في ظل الاستمرارية، وأنهم جاؤوا لحل مشاكل فرنسا العصية، بعيدا عن الوجوه التقليدية، وباعتماد منهجية جديدة يمكن تلخيصها من خلال المتابعة والرصد في النقط التالية:

1- الشجاعة: منذ اليوم الأول أظهر الفتى ماكرون أنه شجاع، إلى درجة وصف استعمار بلاده للجزائر بأنه جريمة ضد الإنسانية، وهذه الجملة القاسية لم يسبقه إليها أي مرشح للرئاسة، ولا أي مسؤول فرنسي من اليمين إلى اليسار، كلهم كانوا يختبئون خلف عبارات «المصالحة مع الذاكرة»، وتضميد الجراح، وطي كتاب هذه الحقبة السوداء من تاريخ فرنسا، بل إن مارين لوبان امتلكت الوقاحة لتتحدث عن فوئد الاستعمار وسياساته التوسعية على الجزائر والمغرب وتونس… هذه الجرأة السياسية تغضب بعض الفرنسيين، ولا شك، وتبعد فئة من الناخبين دون شك، لكنها تثير إعجاب الأغلبية التي تريد رئيسا لا يتحدث بلغة الخشب.

2- الشفافية: منذ اليوم الأول أعلن ماكرون ثروته ومداخيله، والتزم بتمويل حملته الانتخابية من جيوب المتبرعين الأفراد، لا من جيوب دافعي الضرائب كما فعل منافسوه، ووضع ماكرون سقفا للمتبرعين لحركة ‘‘إلى الأمام’’، يبتدئ من أورو واحد إلى 7200 أورو، ورفض مشاركة الشركات والهيئات المنظمة في تمويل الحملة، حتى لا تؤثر على سياساته وبرنامج حركته، وأعلن أن أول قانون سيضعه هو قانون تخليق الحياة العامة moralisation de la vie publique، ومنه ضرورة اشتراط سجل عدلي نظيف على كل مرشح لمهمة تمثيلية في الرئاسة أو البرلمان أو المجالس الجهوية أو الإقليمية. ثانيا، منع السياسيين من توظيف الأقارب. ثالثا، منع المنتخبين من إعطاء الاستشارات للشركات والهيئات حتى نهاية ولايتهم. رابعا، دفع الضريبة عن البريمات والامتيازات التي يحصل عليها رجال ونساء السياسة.

3- العقلانية: منذ الساعات الأولى لترشحه لرئاسة فرنسا، اختار الشاب ماكرون أن يعارض الشعبوية، وألا يمسح على رؤوس الفقراء والطبقات الوسطى بوعود غير قابلة للتحقق، ففي الوقت الذي كانت مارين لوبان تقترح على العاطلين الحل السحري، المتمثل في طرد المهاجرين، شرعيين وغير شرعيين، من الأراضي الفرنسية، لإعطاء وظائفهم للفرنسيين، كان ماكرون يعارضها ويقول إن الوظائف لن تزداد في فرنسا بطرد المهاجرين، وإن البطالة ستنزل إلى مستوى يمكن تحمله بشروط وهي: تخصيص 50 مليار أورو من قبل الدولة؛ جزء منها سيذهب إلى ميزانية إعادة تكوين العاطلين عن الشغل ليتأقلموا مع السوق، ويجدوا الوظائف التي يستحقونها، والباقي لتقديم تحفيزات للمقاولات الصغرى والمتوسطة لتوسع نشاطها، ومن ثم خلق فرص شغل جديدة. إحداث تأمين على الشغل، على غرار التأمين على الحياة، من قبل الأجراء أنفسهم، معفي من الضرائب. مدونة للتشغيل مرنة تتيح مجالا أكبر للتفاوض بين رب العمل والأجير، بما في ذلك فسخ العقدة كل خمس سنوات، وإعادة التفاوض والزيادة والنقصان من ساعات العمل. إلغاء 200 ألف منصب في الوظيفة العمومية، ما سيسمح بتوفير مبالغ كبيرة من الميزانية العامة.

4- الاختيارات الواضحة: بقي ماكرون متشبثا بجملة يرددها في وجه اليمين المتطرف، وهي أنه يمثل مشروعا ولوبان تمثل مشروعا مناقضا، وأن من يقرأ برنامجي المرشحين يجد deux France. لم يسع ماكرون إلى التطبيع مع الموضوعات الحساسة التي يلعب عليها اليمين، مثل الإرهاب الذي تراه لوبان آفة إسلامية وجبت محاربتها بمزيد من البوليس والسجون وقوانين الطوارئ، وإجبار المسلمين الفرنسيين على اختيار جنسية واحدة. بالعكس، ماكرون قدم فهمًا أعمق لظاهرة الإرهاب -لا يقول بها حتى بعض المسلمين عندنا- قال للفرنسيين إن أصل الإرهاب يعود إلى الاختلالات التي يعرفها النظام الدولي، وإن الحروب المفتوحة في آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا (العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، أفغانستان، الصومال) هي المشتل النموذجي للإرهاب، مضاف إليها السلطويات التي لا تؤمن بالديمقراطية، وإن الحل هو أن تلعب فرنسا دورها الحيوي في نشر السلم الدولي والنموذج الديمقراطي في الحكم، مع أن ماكرون لا يعارض الزيادة في عدد أفراد الشرطة الفرنسية وتقوية المخابرات، لكن باحترام تام للديانة الثانية في فرنسا، وعدم وضع العرب والمسلمين جميعا في قفص الاتهام.

5- البرغماتية: ولو أنه أعلن انتماءه الليبرالي، وانفتاحه على أوروبا، ومعارضته للتخلي عن الأورو، ورفضه برنامج اليسار بكل ألوانه واليمين بكل أشكاله، فإنه ظل حذرا من الدوغمائية الإيديولوجية، فهو مع اقتصاد السوق، لكن مع برامج اجتماعية، معتمدا برغماتية إيجابية تجعله يتكيف مع عالم يتغير، واقتصاد يتبدل، وتكنولوجيا تقلب أحوال العالم كل يوم، وتهدم اليقينيات القديمة، وتشيد حقائق جديدة، سرعان ما تصير هي نفسها أوهاما قديمة… وهنا استفاد ماكرون من سنه وثقافته وتكوينه ولغته الإنجليزية، وعمله في أول بنك أعمال في أوروبا (روتشيلد).

يسخر الفرنسيون من رئيسهم الجديد كعادتهم، ويقولون إنه ليس فيه من اليمين سوى كلبه المسمى «figaro»، وليس عنده من نوستالجيا اليسار سوى شهادة البيانو التي منحه إياها معهد الموسيقى، والباقي كله متروك للحياة والتجربة.. ألا يبحث الفرنسيون عن رئيس vierge…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رئيس vierge رئيس vierge



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca