بقلم - توفيق بو عشرين
هذا ليس لقبا من عندي للدكتور سعد الدين العثماني.. هذا لقب أطلقه إخوانه في الحركة ثم في الحزب عليه، وصفا لبرغماتيته ولطريقته «العملية» في فهم السياسة والدين والفقه… لذلك، لم يستغربوا أن يقبل العثماني دور «البديل» عن بنكيران في توقيت صعب ودقيق من تاريخ الحزب وتاريخ البلد وتاريخ النضال الديمقراطي، ولم يستغربوا أن يصبغ العثماني مرحلة التراجع عن كل المكتسبات بألوان وردية لتبرير ما لا يُبرَّر، والاختباء خلف توكيل يدعي رئيس الحكومة أن الحزب أعطاه إياه ليقود الأغلبية، ويخرج الحزب والبلاد من ورطتهما.
في افتتاح مؤتمر منظمة التجديد الطلابي، قال الطبيب النفسي للشباب كلاما غير دقيق، إن لم يكن غير صحيح.. قال: «إن الحزب هو الذي قدمنا لهذه المسؤولية، ولائحة الوزراء التي قدمتها أجهزة الحزب جرى احترامها، والالتزام بترتيب الأشخاص المقترحين فيها دون تغيير، وإذا طلب منا الحزب الانسحاب من الحكومة سننسحب».
وهنا لا بد من تذكير العثماني بأن اختياره رئيسا للحكومة لم يأتِ من الحزب بل من القصر، وأن الملك بعث مع العثماني رسالة إلى المجلس الوطني يقول فيها إن النية مازالت قائمة لديه للاشتغال مع الحزب في محاولة للتخفيف من صدمة إقالة بنكيران على قواعد الحزب، وفي إشارة إلى أن العثماني وفريقه يمكن أن يعولا على دعم الملك للنجاح في مهمتهما، لكن، ومع إعلان التشكيلة الوزارية التي همشت المنتصر في الانتخابات، وجعلت من المهزوم فائزا، تبخرت الآمال التي كانت معقودة على تجربة حكومة العثماني. ولا بد، ثانيا، من تذكير الدكتور بأن اجتماع المجلس الوطني، الذي سبق الإعلان عن الأغلبية، أعطى الأمانة العامة الضوء الأخضر لتشكيل حكومة حول العثماني، لكن بشروط لم يحترمها هذا الأخير، ولم تراعِها اللجنة الرباعية التي كلفت بإدارة المفاوضات مع أحزاب الأغلبية (يكفي الرجوع إلى البيان الختامي الذي صدر عقب الاجتماع).
بعد تشكيل حكومة أبريل لم تتح للحزب ولا للمؤتمر الوطني، ولا حتى للأمانة العامة، الفرصة لمناقشة طبيعة مشاركة الحزب في حكومة تشكلت خارج صناديق الاقتراع (حكومة أخنوش التي يقودها العثماني ويحكم فيها لفتيت)، وقد تبرم قادة الحزب، ومنهم رئيس المجلس الوطني، من الدعوة إلى عقد دورة استثنائية لمناقشة طبيعة مشاركة الحزب في حكومة لا تمثل، في العمق، أحدا سوى مهندسي البلوكاج الشهير.
العثماني يدعي أن حكومته جاءت في ظرف صعب، لكن بنفس إصلاحي… أين هو هذا النفس الإصلاحي؟ ألا يقرأ العثماني تقارير المنظمات الدولية والوطنية حول الوضع الحقوقي والصحافي في المغرب؟ ألم يقرأ جيدا القانون الجديد للنيابة العامة الذي يؤسس نموذجا غريبا وفريدا، حيث لا تخضع هذه النيابة العامة لقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ ألم يتمعن في خروج إدارة حراك الريف من يد الحكومة، وكيف عرى الحراك شعارات الحكومة والحكم معا، حيث انتصرت المقاربة الأمنية على ما عداها؟
الحكومة خرجت من الخيمة مائلة، وعطبها الرئيس ليس استغناؤها فقط عن زعيم العدالة والتنمية.. عطبها الرئيس هو أنها جاءت في أعقاب انقلاب سياسي على نتائج الاقتراع، أما خروج بنكيران من رئاسة الحكومة فما كان إلا مقدمة لدخول مرحلة جديدة ليس الإصلاح من بين همومها، وإذا لم يقتنع الدكتور النفسي بالأمر، فإنه مصاب بداء نكران الواقع، وهو مرض نفسي يمنع صاحبه من رؤية الواقع كما هو، فيلجأ إلى حل نفسي يتمثل في نكرانه والعيش خارج حقائقه.
للإنصاف، الورطة التي يعيشها الحزب اليوم، ومعه البلد، لا تتعلق فقط بالعثماني وفريقه الوزاري، بل تتعلق بثقافة الحزب السياسية، وتركيبته الاجتماعية، وخطه الإيديولوجي، وبنائه التنظيمي، الذي يجعل منه حزبا إصلاحيا لكن بدون ثقافة لمقاومة الفساد.. حزب يدافع عن الديمقراطية، لكنه غير مستعد للضحية من أجلها..
حزب يتبنى مبدأ المشاركة في الحقل السياسي والبناء المؤسساتي، ليس ليدافع عن الشعب وإرادته الحرة، بل ليدافع عن الجماعة التي يمثلها، لذلك، ما إن لاحت بوادر الاصطدام بالدولة، بعدما حصل الحزب في سابقة في كل تاريخ المغرب على مليوني صوت في آخر انتخابات، حتى تراجع إلى الخلف، وانحنى للعاصفة، وتملك الرعب قلوب بعض قادته، وعوض أن يختار الحزب المعارضة لمواصلة دوره ورسالته، قبِل الدخول إلى حكومة برنامجها الرئيس هو القضاء على أي مشروع إصلاحي، وتدجين المصباح، وخلق الفرقة التنظيمية داخله… هذه هي القصة ببساطة ودون «فلسفة».