أما لهذا الحراك من حل؟

الدار البيضاء اليوم  -

أما لهذا الحراك من حل

بقلم - توفيق بو عشرين

الأسبوع المقبل سيكمل حراك الريف شهره الثامن، بلا أفق للحل، بلا خطة لإقناع الريفيين والمتعاطفين معهم في كل المغرب بالعودة إلى بيوتهم، واستئناف حياتهم العادية. لقد جربت الدولة مقاربتين لعلاج الأزمة الأخطر التي تعرض لها عهد الملك محمد السادس. الأولى كانت تحت عنوان (كم حاجة قضيناها بتركها)، حيث صمّت الدولة أذنيها عن احتجاجات الناس، لأنها كانت مشغولة بحفر قبر صغير لتجربة حكومة بنكيران، وإخراج البلاد من سكة الإصلاح إلى سكة أخرى لا علاقة لها بما سبق. والمقاربة الثانية التي اشتغلت بها الدولة إزاء هذه الأزمة فكانت تحت عنوان (العصا لمن عصى)، حيث استعملت الدولة عصا الأمن في الشارع ثم الاعتقالات العشوائية ثم الأحكام القاسية، وفي النهاية وجدنا أن كرة الثلج تكبر، والاحتجاجات تزيد، ومعها تتبخر بعض المكتسبات التي ربحها المغرب من الخمس سنوات الماضية، ومنها الإحساس بوجود حكومة في المملكة تملأ بعضا من وظائفها التي منحها إياها الدستور على الورق…

حاول بعض الحكماء التحرك من أجل لعب دور الوساطة بين الغاضبين في الريف والدولة المركزية، لكن في آخر لحظة أبلغ هؤلاء من قبل جهات عليا أن صرفوا النظر عن الموضوع، فالدولة (قادة بشغلها) قالوا أمين ورجعوا إلى الخلف، لكن لم نر أي بوادر للتهدئة التي تحدث عنها الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون في زيارته الأخيرة للمغرب، وكل ما رأيناه هو أحكام متشددة تصدر عن القضاء، ومحاولات لخنق حرية التظاهر في الشارع، دون علاج لأسبابه وجذوره، فيما ينبئ الصيف بارتفاع حرارة الحراك مع دخول المهاجرين المغاربة من أوروبا، والذين أظهروا تعاطفا كبيرا مع مطالب مواطنيهم في حياة كريمة تحفظ الحد الأدنى من الكرامة للفئات الدنيا التي لم تصلها إلى الآن حقوقها البسيطة…

الدولة تخشى على هيبتها إن هي تنازلت وأطلقت المعتقلين، وأفرجت عن المسجونين، وأطلقت مشروعا كبيرا لسد الخصاص الاجتماعي في الريف وغير الريف، فهناك من ينصح أهل (الحل والعقد) بعدم التنازل للشارع، وبأن السحابة ستمر، وأنه لا داعي لارتكاب أخطاء 2011، حيث تنازل الملك محمد السادس على عدد من صلاحياته التي ورثها عن أبيه في دستور جديد حمل بنكيران وحزبه إلى الحكومة، مع ما تسبب فيه هذا الصعود من صداع رأس كبير لسلطة لا تريد شريكا في الحكم، ولا تريد ديمقراطية حقيقية، وأن كل ما تسعى إليه هو انفتاح سياسي يتسع ويضيق حسب الظروف والأحوال، مع خلطة من نمو بلا تحديث وعصرنة بلا ليبرالية وسلطوية ناعمة بلا ديمقراطية، ففي النهاية لكل شعب الحكم الذي يستحق، والمغاربة اليوم، حسب هذه (النصيحة)، شعب لا يستحق الديمقراطية وسيرضى بأي شيء يعطى له، مقابل الاستقرار الذي لا تنعم به جل الدول العربية…

الجروح التي لا تعالج تتقيح، والمشاكل التي لا تحل اليوم تصير مستعصية غدا، والفاتورة التي لاتؤديها في وقتها تكلفك أكثر بعد مرور موعد آدائها… هذا ما ينطبق على حراك الريف الذي بدأ محليا وصار وطنيا، وبدأ اجتماعيا وصار سياسيا، وبدأ مغربيا وصار محل اهتمام الدول الكبرى… يكفي أن ينتبه العقلاء إلى الخسائر التي تكبدها البلد نتيجة ثمانية أشهر من الاحتجاجات في الشارع، كان آخرها حفلة “الطنطنة” فوق السطوح في الحسيمة، التي جاءت بعد منع المتظاهرين الجوالين من التحرك في الشارع العام…

أول ضحايا حراك الريف هي حكومة العثماني التي عصفت بها هذه الأزمة وأصبح المغاربة يتنذرون على غيابها بالقول: (سجلوا حكومتنا في برنامج مختفون)، ليست الحكومة فقط، من فقدت ثقة الناس بعد أقل من 100 يوم على تنصيبها، ولكن الذي فشل أكثر هو المخطط السياسي الذي جاء بها، وكان يهدف إلى إقفال قوس بنكيران ومشروعه (الإصلاح في ظل الاستقرار) والالتفاف على نتائج اقتراع السابع من أكتوبر وامتصاص روح الاختيار الشعبي، والعودة إلى دستور 96 ونسخ وثيقة 2011 وإعادة إحياء مشروع حزب الدولة ممثلا في تحالف (أخنوش، لشكر، ساجد والعنصر) بعد فشل مشروع البام، وطبعا كل هذا جرى على جثة حزب الاستقلال وعلى وحدة وانسجام حزب العدالة والتنمية..

حراك الريف وبغض النظر عن التفاصيل المحيطة به أفسد هذا المخطط التراجعي عن مكتسبات الخمس سنوات الماضية على قلتها، وذلك لأنه أعاد الحياة للشارع الذي ظن الكثيرون أنه مات، وعرى الفراغ السياسي الذي أحدثه (قتل الأحزاب)، وأظهر أن الحقيقة السياسية إذا لم تكن مطابقة للحقيقة الاجتماعية والتمثيلية، فإن الناس ينفرون من المؤسسات، ويقصدون الشارع لإسماع صوتهم مباشرة إلى من يعنيهم الأمر.

إذا لم يكن في جيب الدولة ثمن لأداء فاتورة السلم الاجتماعي، فما عليها إلا أن تدفع فاتورة الإصلاح السياسي، وأن تترك التجربة الديمقراطية تفرز ممثلين حقيقيين للسكان قادرين على إقناعهم بوجود أمل في التغيير إن لم يكن اليوم، فغدا أو بعد غد. الديمقراطية لا تنتج خبزا ووظائف ومستشفيات في الحين، لكنها تعطي الأمل في الغد وتشعر الناس بوجود عدالة وإنصاف وتحصن الأنظمة من الانهيار وتحمي الاستقرار، وتعطي لصاحب القرار فرصة لتوفير القاعدة المادية للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، أما من يتصور أنه سيصنع (أومليط) دون أن يكسر بيضة واحدة، فهو واهم…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أما لهذا الحراك من حل أما لهذا الحراك من حل



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca