بقلم - توفيق بو عشرين
تحت الرعاية السامية لعزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، حصل إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على مقعدين برلمانيين في الناظور وكرسيف، وذلك لإنقاذ فريق الوردة البرلماني من الانهيار، بعدما تقلصت عدد مقاعده في مجلس النواب من 20 إلى 19. وهكذا يكمل حزب الأحرار كفالته الشاملة لحزب الاتحاد الاشتراكي، بعدما أعطاه رئاسة مجلس النواب ضد إرادة الحزب الأول في البرلمان، وحتى قبل أن تتشكل أغلبية برلمانية، وبعدما استعمله كقميص عثمان في بلوكاج تشكيل حكومة بنكيران، التي فشلت في جمع أغلبية، واستعمل فيها الاتحاد «عقدة منشار» لإخفاء ما راء الأكمة، وبعدها حصل الاتحاد على أجرته عن الدور الذي لعبه في تعطيل ولادة الحكومة لمدة ستة أشهر، فأدخل الأحرار الاتحاد إلى حكومة العثماني تحت جناح الحمامة خوفا عليه من برد المعارضة، ومن الاندثار الكلي في الهواء، وأصبح دخول الاتحاد إلى الأغلبية موضوع أزمة سياسية وسط حزب العدالة والتنمية، باعتباره رمزا من رموز التحكم في تشكيل الحكومة الجديدة.
إنها ممارسة سياسية وحزبية غير مسبوقة في كل تاريخ الأحزاب السياسية في المغرب، حيث تحول حزب إداري إلى كفيل لحزب وطني ديمقراطي.. حزب كبير عانى الكثير في سنوات الرصاص وصبر، لكنه ارتخى وتمدد في زمن الرخاء السياسي، حتى «تكرش وعاد بلا رقبة»، على حد تعبير الشاعر العراقي المتمرد مظفر النواب.
خلف بدعة الكفيل السياسي، الذي يلعبه حزب أخنوش مع الاتحادين الاشتراكي والدستوري، هناك تخريب مقصود للحقل السياسي، ولتقاليد العمل الحزبي، ولروح الديمقراطية، ولنتائج الإرادة الشعبية، حيث تدمر «الكفالة السياسية» الفروق بين الأحزاب، وتمحو من عقول الناس فكرة «المشاريع السياسية» التي تؤسس التعددية الحزبية، حيث يصير أولاد عبد الواحد كلهم واحد، فيصبح الاشتراكي مثل الرأسمالي، والديمقراطي مثل المخزني، واليساري يشبه اليميني، والجميع بيض متشابه في سلة واحدة قابلة للاستعمال في مطبخ السلطة لإعداد «أومليط» يقدم في المواسم الانتخابية حسب الضرورة والحاجة.
بدعة الكفيل السياسي تدمر استقلالية الأحزاب وهويتها السياسية، وتجعل الحزب مجرد «عطاش» في الموقف السياسي يشتغل بأجرة اليوم، ولا يهمه مع من ولصالح من وضد من. هو مع من يدفع له، والباقي تفاصيل لا تهمه.
إننا أمام تجريف متعمد للحقل الحزبي، وأمام هندسة قبلية للمشهد البرلماني، كما كنا أمام عملية قيصرية لإخراج الحكومة في أبريل من السنة الماضية، بطريقة لا تمت بصلة إلى نتائج الاقتراع. هذا عمل سيدمر الحقل السياسي الهش أصلا، ويقضي على مصداقيته، ويبعد الناس أكثر عن الأحزاب بكل ألوانها، ويرميهم إلى أحضان الشارع أو العدل والإحسان أو حزب الكنبة، وفي كل هذه الخيارات غير الواضحة هناك مغامرة بالاستقرار، وهناك عبث بالمستقبل.
كيف انتهى حزب عبد الرحيم بوعبيد إلى أن صار يشبه عاملا هنديا في دولة خليجية يحتاج إلى كفيل للدخول، وإذن للخروج، وحماية لوجوده على أرض الواقع؟
الاتحاد أصيب بأزمة قلبية خطيرة في تجربة التناوب الفاشلة التي قادها عبد الرحمان اليوسفي، ودخل الحزب الإنعاش عندما انتقد الخروج عن المنهجية الديمقراطية في تشكيل حكومة جطو، ثم دخل إلى الحكومة نفسها التي انتقدها، مستفيدا من ثمار العطب الذي أصاب الديمقراطية، ثم مات الحزب في يد محمد اليازغي وعبد الواحد الراضي عندما ترهل واضطرب ودخل حكومة عباس الفاسي، وامتنع عن دخول حكومة بنكيران، ثم جاء إدريس لشكر، في الولاية الأولى، فدفن الاتحاد دون جنازة تليق به، أما في ولايته الثانية، فصفى تركته، وباع تراثه وذاكرته وكتب نضاله وصور زعمائه، وعلق رمز الحمامة على أبواب المقرات، وقبله رمز الجرار، ثم أمر برسم بورتريهات للملياردير الكفيل ووضعها في شارع العرعار، منتظرا تعليمات جديدة وتحالفات جديدة ومهام جديدة، فإذا كانت الجماهير قد غادرت الحزب، فالله يجعل البركة في الكفيل الذي سيعوضه عما فات.. سيعوضه عن أمجاد الماضي، ونقابة الماضي، وشرف الماضي، ونضال الماضي.