ما يجب ألا يؤول في الخطاب الملكي

الدار البيضاء اليوم  -

ما يجب ألا يؤول في الخطاب الملكي

بقلم : توفيق بو عشرين

لم يتعرض أي خطاب من الخطابات الكثيرة، التي أدلى بها الملك محمد السادس منذ 17 سنة الماضية، كما تعرض له خطاب عيد العرش السابع عشر للتأويل والتأويل المضاد، للقراءة والقراءة المضادة… الذي يطل على ردود فعل النشطاء الحزبيين في مواقع التواصل الاجتماعي يقف على شظايا القصف المتبادل بينهم، فالكل يملأ مسدسه من متن الخطاب الملكي، وجمله الواضحة والمشفرة، وهذا، إن دل على شيء، فهو يدل، من جهة، على دقة الظرفية التي جاء فيها الخطاب، حيث اختار الملك محمد السادس الخروج عن تحفظه المعهود إزاء تطورات الحياة السياسية، وحجم الرهانات الاستراتيجية الموضوعة على كاهل السابع من أكتوبر، حيث تنحل حكومة وتتشكل أخرى في ظل دستور فتح اللعبة السياسية، التي كانت مغلقة في السابق، وجعل للقصر شريكا في الحكم.
الملك سجل نقطة نظام على الأحزاب جميعها، وخص كل جهة بفقرة خاصة تُستشف من إشاراتها الرسالة المقصودة، والبداية بحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، اللذين حظيا بالقسط الأكبر من النقد الملكي في خطاب السبت الماضي، فما كان مجرد تسريبات عن وجود غضبة كبيرة للجالس على العرش على رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، صار حقيقة جاءت بها عبارات الخطاب الملكي، ومنها: «فشخص الملك يحظى بمكانة خاصة في نظامنا السياسي، وعلى جميع الفاعلين، مرشحين وأحزابا، تلافي استخدامه في أي صراعات سياسية أو حزبية»، ولكي يسطر أكثر تحت كلام بنكيران عن «الدولتين الموجودتين في المغرب»، قال الملك موجها خطابه إلى الشعب: «غير أن ما يبعث على الاستغراب أن البعض يقوم بأعمال تتنافى مع أخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء إلى سمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية العمل السياسي، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين». واضح، إذن، أن الملك منزعج كثيرا من طريقة استحضار بنكيران لاسم الملك وعلاقته به وبمستشاريه، ومنزعج أكثر من نظرية ازدواج السلطة في نظامه السياسي، والتي انتقدها بنكيران بطرق مختلفة، من العفاريت والتماسيح إلى نظرية الدولتين. والآن على بنكيران أن يغير الأسلوب، وأن يبحث عن لغة جديدة لتبليغ رسائله إلى أن تمر العاصفة، وأن يتحلى بالصبر، فالصبر، حسب الحكمة الصينية، أفضل العبادات… من جهة أخرى، على مراكز القوى في الدولة أن تفهم أن زمن صمت كل المنتخبين قد ولى، وأن القرار العمومي له قنوات رسمية ودستورية يجب أن يمر منها لا فوقها ولا تحتها، وأن الذي يريد أن يحوز السلطة في الإدارة وفي مواقع أخرى يجب أن يمر إلى شباك التفويض الشعبي، وألا يختبئ خلف القصر أو الدولة، فالملك نفسه هو الذي قال لبنكيران: «لا تقبل بأي شيء خارج الدستور ولو جاء من محيط المستشارين التابعين لي».
البام بدوره أخذ نصيبا من النقد في خطاب الملك، حيث قال الملك وأعاد: «أنا ملك لجميع المغاربة، للذين يترشحون وللذين لا يصوتون، وأنا ملك لكل الهيئات السياسية دون تمييز أو استثناء، لا أنتمي إلى أي حزب، والحزب الوحيد الذي أعتز بالانتماء إليه هو المغرب». واضح، إذن، أن الجالس على العرش تصله أصداء مقولة «حزب الدولة»، حيث يروج بعض قادة البام، بالصريح والمرموز، في أوساط الأغنياء والأعيان، أنهم يمثلون حزب القصر الذي جاء لإنقاذ المغرب من براثن الإسلاميين، وأن الجرار فيه وقود استثنائي، به يتحرك ويحصد المقاعد والمواقع والامتيازات، وأن الذي يريد أن «يقضي مصالحه»، فما عليه إلا أن يركب هذا الجرار… الملك وضع، بالجملة أعلاه، تحذيرا وتوضيحا عن كونه يقف على المسافة نفسها بين كل الأحزاب، وهذه رسالة موجهة، من جهة، إلى البام وقيادته، وإلى السلطة وأعوانها الذين يعتبر البعض منهم أنه مكلف بتسمين البام وإضعاف باقي الأحزاب، لأن هذه هي سياسة الدولة الرسمية.
في الختام، أعاد الملك تنبيه الجميع إلى أخلاقيات العمل السياسي، حيث قال: «المواطن هو الأهم في العملية الانتخابية.. وأقول للجميع، أغلبية ومعارضة، كفى من الركوب على الوطن لتصفية حسابات شخصية أو لتحقيق أغراض حزبية ضيقة».
كل التأويلات التي أعطاها قادة الأحزاب وكتائبهم للخطاب الملكي تأويلات مشروعة من الناحية السياسية، وهي جزء من السباق نحو اكتساب قلوب الناخبين، لكن ما يجب اجتناب تأويل ما ورد في الخطاب الملكي به أمران لا يمكن أن تذهب إليهما إرادة القصر:
الأمر الأول: هو فهم جملة: «أنا ملك الجميع، الذين يصوتون والذين لا يصوتون»، على أنها دعوة إلى عدم المشاركة في الانتخابات، أو عدم الحض على المشاركة المكثفة في استحقاق السابع من أكتوبر. أبدا، هذا غير وارد، فكل نظام من الأنظمة الحديثة يشجع الناس على المشاركة السياسية، وعلى الانخراط في الانتخابات تصويتا وترشيحا، لأن هذا هو الطريق السليم للتعبير عن الإرادة الشعبية، وعن الثقة في قدرة النظام على تأمين هذا الحق الدستوري، ومعه تأمين الاستقرار والثقة في النظام.
الأمر الثاني الذي يجب ألا يقع حوله اللغط أو التأويل غير الصحيح هو حديث الملك عن الفساد، واعتبار أن لا أحد معصوم من السقوط فيه، كما قال: «والفساد ليس قدرا محتوما، ولم يكن يوما من طبع المغاربة، غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع، والواقع أنه لا يوجد أي أحد معصوم منه، سوى الأنبياء والرسل والملائكة. وهنا يجب تأكيد أن محاربة الفساد ينبغي ألا تكون موضوع مزايدات، ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا أو حزبا أو منظمة جمعوية». كلام الملك له سياق محدد، وكل جملة فيه تفهم مع بقية الجمل الأخرى، والذين فهموا منها أنها دعوة إلى إبعاد الأحزاب عن استعمال موضوع محاربة الفساد في الحملة الانتخابية، فهؤلاء مخطئون، فلا يمكن لأي أحد أن يطبع مع الفساد أو أن يخفف الحرب عليه، ولو كانت كلامية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما يجب ألا يؤول في الخطاب الملكي ما يجب ألا يؤول في الخطاب الملكي



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca