هل استقالة العثماني جدية؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل استقالة العثماني جدية

بقلم ـ توفيق بو عشرين

بعد أقل من ستة أشهر على تسلمه مفاتيح رئاسة الحكومة، بدأ الطبيب النفسي سعد الدين العثماني يلوح باستقالته، ويعلن أن وحدة حزبه أهم عنده من البقاء في المشور السعيد، وأنه إذا اضطر إلى أن يختار بين رئاسة الحكومة ووحدة الحزب، فإنه سيختار الثانية على الأولى…

الرجل الكتوم والمتحفظ، والذي يمشي على البيض ولا يكسره، فجأة يخرج بهذا التصريح القوي الذي أطلقه في مكناس وأعاده في تدوينة مكتوبة بعناية على حسابه في “الفايس بوك”. ماذا يعني هذا؟


 
هذا معناه أن الدكتور العثماني يريد أن يتخلص من تهمة معلقة على صدره منذ شهور هو وزملاؤه في الحكومة، اسمها (تيار الاستوزار)، وهو نعت قدحي في حزب العدالة والتنمية، حيث مازالت الأخلاق لها بعض الصدى في وسط الحزب الذي لم يهضم طرد بنكيران من رئاسة الحكومة، بعد أن حقق نجاحات كبيرة للمصباح، ولم يتقبل ثانيا الانقلاب السياسي على نتائج اقتراع السابع من أكتوبر وتشكيل أغلبية وحكومة بعيدتين عن مخرجات صندوق الاقتراع؛ ثالثا لم يفهم جمهور الحزب والمتعاطفون معه كيف يقبل العثماني وإخوانه أن يكونوا (كومبارس) في تدبير أخطر أزمة يعرفها المغرب منذ 18 سنة، والمقصود طبعا أزمة الريف التي رجعت في أعقابها للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ورجع معها الاعتقال السياسي… إذن، يافطة (تيار الوزراء) المستعد للقبول بكل الأدوار ليبقى في مكاتبه ليست تهمة بدون دلائل ولا وقائع تسندها… إذا كان العثماني يحاول بهذا التصريح أن يتموقع في مربع جديد تحسبًا للمؤتمر المقبل للحزب، فهذا من حقه، لكن هذا التموقع لن يتم بإعلان نوايا لا تسندها وقائع، يقول الفقهاء في تعريف النية (ما وقر في الصدر وصدقه العمل)، وعمل وزراء العدالة والتنمية وسط الحكومة لا يوحي تماما بأن أصحابه لهم بوصلة أو مشروع إصلاحي جدي أو قدرة على المقاومة. (وقد لاحظتم كيف تحول شعار 120 يوما يساوي 120 إجراءً، إلى موضوع للسخرية والتنكيت السياسي)، وهو الأمر الذي بدا واضحا في تراجع شعبية الحزب في الانتخابات الأخيرة…

أزعم أن العثماني ليس في نيته الآن على الأقل تقديم الاستقالة من الحكومة، وهو يعرف أن هذا الموضوع ليس مطروحا للتصويت، ولا للاستفتاء وسط حزب يعيش على وقع زلزال كبير، ضرب عمق مشروعه السياسي بعد أن عجز عن الدفاع عن أصوات مليوني مغربي أعطوه تفويضا صريحا لمواصلة الإصلاحات، والرفع من وتيرة الإنجازات، وإنهاء حالة (الانتقال الدائم) التي تشل تطور البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. كان بنكيران في آخر تجمع انتخابي له في أكتوبر 2016 بسلا قد قال: (أيها المغاربة أعطوني أصواتكم واتركوني بيني وبينهم)، في وعد واضح بأنه سيستعمل أصوات الناس لمقاومة مراكز مناهضة الإصلاح… لكن حزبه لم يف بالوعد، بعد أن صمد بنكيران لمدة ستة أشهر رافضا تشكيل أغلبية مخدومة، فبمجرد أن نودي على العثماني رئيسا للحكومة حتى انفجرت ينابيع الأدب التبريري وسط الحزب، بين من أرعب إخوانه بمصير إخوان مصر في ساحة رابعة إن رفضوا الخضوع لشروط المخزن، وبين من حذر من تبعات الاصطدام مع الدولة على الحزب والحركة، ومن يدعو إلى القبول بالممكن لأن الظرف الإقليمي لا يسمح بوقفة شجاعة من أجل احترام صناديق الاقتراع، بل هناك من ذهب في تبرير جبنه أكثر وقال إن أصوات الناخبين (ماشي مهمة)، وإذا ذهبت اليوم ستأتي غدا، المهم أن يبقى الحزب موجودا والحركة نشيطة في الدعوة…

وعوض أن يفتح الحزب المجال للنقاش السياسي وللتقييم الموضوعي لما جرى منذ إعلان نتائج الاقتراع إلى تشكيل الحكومة، ترك الجرح مفتوحا، وكل ما فعل هو أنه غطاه برداء الخوف على وحدة الصف وبيضة التنظيم، فما كان من الجرح إلا أن تقيح وانعكس على صورة الحزب لدى ناخبيه، وقد بدا ذلك واضحا من النتائج المخيبة التي حصل عليها المصباح في الانتخابات الجزئية الأخيرة، سواء التي فاز فيها بنسب ضعيفة أو التي خسرها…

ولأن الطبيعة تخشى الفراغ، فإن شباب حزب العدالة والتنمية وبعض قادته لم يجدوا أمامهم سوى خشبة بنكيران يتعلقون بها خوفا من الغرق، فنادوا بولاية ثالثة لبنكيران على رأس حزب أصبحت هويته مهددة، وروحه مستهدفة، واستقلالية قراره في مرمى المدفعية. لهذا، فالتجديد لبنكيران ضدا على القانون الداخلي للحزب ليس مسألة تنظيمية، بل مقدمة لجواب سياسي عن (التحكم) الذي وقف خلف البلوكاج، والذي عطّل إخراج أغلبية بنكيران، والذي هندس لخروج حكومة هجينة ومفككة، برنامجها الحقيقي هو تعبيد الطريق للعودة إلى السلطوية الناعمة…
إذا كان العثماني جادا في التلويح باستقالته من رئاسة الحكومة، فيجب أن تكون هذه الاستقالة لسبب آخر، غير وحدة حزبه التي لا تساوي شيئا أمام مصلحة البلاد في تحول ديمقراطي جدي، وفِي دخول نادي الدول الحديثة؛ دول المؤسسات لا الأشخاص، دول الاستقرار المبني على أسس متينة من الشرعية السياسية، واحترام الدستور والعدالة الاجتماعية، ومحاربة اقتصاد الريع، الذي يتغذى على القروض الخارجية والمساعدات الخليجية…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل استقالة العثماني جدية هل استقالة العثماني جدية



GMT 06:35 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا التجديد لبنكيران

GMT 05:29 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا التجديد لبنكيران

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca