العب حيث لا يملك خصمك فرصة للفوز

الدار البيضاء اليوم  -

العب حيث لا يملك خصمك فرصة للفوز

توفيق بو عشرين

اليوم تفتح مراكش ذراعيها لأكبر مهرجان عالمي للمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث سيشارك في المنتدى العالمي الثاني أكثر من 7000 ناشط حقوقي من جل دول العالم. كل هؤلاء سيجتمعون تحت سماء المدينة الحمراء لتجديد العزم على تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، وتوسيع مداها لتدخل إلى كل مجالات السياسات العمومية… إن كل المكاسب الحقوقية التي تحققت، طيلة أكثر من قرن، لم تستطع بعد أن توقف الظلم والحرب والطغيان واستغلال بشر لبشر آخر، لهذا يستمر المناضلون الحقوقيون برفع أصواتهم عالية من أجل كرامة البشر، ومن أجل جعل حقوق الإنسان خطا أحمر أمام الجميع.. أمام السلطة والإدارة والشركة والجندي والمجتمع وأتباع الأديان ورجال السياسة…

أن يعقد هذا المنتدى المهم على أرض المغرب هذا مكسب كبير للحركة الحقوقية الوطنية، وهو مناسبة لتعزيز المكتسبات وتوسيع المطالب، وإلزام الدولة باحترام تعهداتها، وجعل الحقل الحقوقي حقلا مليئا بالألغام لا يجوز للسلطة أن تقتحمه دون أن تؤدي ثمنا غاليا…

 استضافة المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في المغرب هو التزام جماعي في المملكة، دولة ومجتمعا، بأن حقوق الإنسان لم تعد «خضرة فوق طعام»، أو ماكياجا لتزيين قبح القرارات السلطوية. أبدا، احترام حقوق الإنسان وتقديس كرامة البشر جزء أساسي من شرعية الحكام ومشروعية القرارات، ولهذا يجب زرع ثقافة حقوق الإنسان في العقل السياسي والإداري والأمني والقضائي والاقتصادي لكل الفاعلين في مختلف الميادين. لقد ارتكبت وزارة الداخلية أخطاء كبيرة وهي تشوش على هذا المنتدى عن طريق الرجوع إلى سياسة التضييق على الأنشطة الحقوقية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، وجمعية الحرية الآن، ومركز ابن رشد، والعصبة المغربية لحقوق الإنسان، وهو ما دفع جزءا من هؤلاء إلى مقاطعة المنتدى في مراكش رغم أن الداخلية ليست هي الراعي الرسمي لهذا المنتدى…

استضافة المنتدى في شمال إفريقيا، وفي دولة عربية أمازيغية مسلمة، انخراط مغربي، من جهة أخرى، في حركة إنتاج الفكر الحقوقي والتأثير في منظومته العالمية، وعدم الاقتصار على استهلاك مكتسبات الحقوق التي تنتج في الغرب وتستهلك من قبل باقي الأمم والشعوب. حقوق الإنسان دائرة كبيرة فيها المبادئ العالمية التي لا يختلف حولها اثنان، وفيها دوائر صغيرة تعبر عن الخصوصيات الثقافية والحضارية لكل الشعوب، وعوض أن تستعمل هذه الخصوصيات المحدودة لتعطيل الآلة الحقوقية العالمية، وجب الانخراط الفعال في نقاش فكري وفلسفي وإيديولوجي من أجل الوصول إلى توافقات كبرى حول الخصوصيات الثقافية التي لا تعطل قطار حقوق الإنسان ومكاسبه العالمية.

انعقاد المنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان في المغرب يجب أن يكون فرصة لنتخلص من كل العقد التي مازالت لدى البعض تجاه منظومة حقوق الإنسان، وبالتحديد إزاء نزاع الصحراء، حيث تحاول الجزائر وجبهة البوليساريو أن تجعلا من «شماعة حقوق الإنسان في الصحراء» ذريعة لترويج أطروحة الانفصال، وزرع بذور عدم الاستقرار في الصحراء استباقا لكل حل ممكن لهذا النزاع الإقليمي. لنلعب معهم هذه اللعبة وفي أكثر المناطق حساسية، ولنجعل السلطة تحترم حقوق التظاهر السلمي والتنقل والتعبير والاجتماع وحتى التنظيم. التعبير عن الرأي سلميا، حتى وإن طالب بالانفصال، جزء من حرية التعبير، فالديمقراطية اليوم تستطيع أن تتحمل حتى خصومها، وتستطيع أن تدبر قضايا الانفصال بمرونة ونعومة كبيرتين. انظروا ماذا يقع في إسبانيا وبلجيكا وبريطانيا ودول كثيرة وصل الانفصاليون فيها إلى البرلمان وإلى قيادة حكومات محلية، ومع ذلك لم يفلحوا في سلخ مناطق وجهات وأعراق عن اللحمة الأصلية لهذه الدول.

الانفصال لا يجابَه بالشرطة والمخابرات والجيش والعمال والولاة… مخططات الجزائر لإضعاف المغرب لا تجابه فقط بالسباق نحو التسلح، وبالحملات الإعلامية والمعارك الدبلوماسية في الخارج. مجابهة الانفصال ومخططات الخصوم تتم ببناء نموذج مميز للتحول الديمقراطي، ومن خلال احترام كامل لحقوق الإنسان غير قابل للتراجع عنه، وإرساء قضاء حر ومستقل واقتصاد قوي وطبقة وسطى عريضة ومجتمع مفتوح… هذه منافسة ومعركة لا يستطيع جارنا المقلق دخولها، للأسف، إذن، لنلعب حيث لا يملك خصومنا فرصا للنجاح…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العب حيث لا يملك خصمك فرصة للفوز العب حيث لا يملك خصمك فرصة للفوز



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 08:31 2018 الخميس ,20 أيلول / سبتمبر

سعر الدرهم المغربى مقابل اليورو الخميس

GMT 13:15 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روماو يحدد قائمة لاعبي "الجيش" لمواجهة "المغرب الفاسي"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca