اتحاد علماء المسلمين وتنظيم داعش

الدار البيضاء اليوم  -

اتحاد علماء المسلمين وتنظيم داعش

ادريس الكنبوري

خلال شهر واحد، غيّر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين موقفه مما يجري في العراق مرتين. وبحسبان الاتحاد بمثابة مرجعية فوق وطنية يحاول أن يحل محل المؤسسات الدينية المحلية عبر صياغة مواقف دينية جامعة، كتعبير عن الوحدة «الدينية» للمسلمين تعويضا عن الوحدة السياسية، فقد لوحظ أنه، في موقفه إزاء تطورات الأحداث في العراق، ذهب مذهبا مخالفا للمواقف السائدة في جل مناطق العالم الإسلامي، ولكل المؤسسات الدينية والعلماء، التي رأت في ما يحصل هناك من طرف جماعة «داعش» انحرافا عن مقاصد الدين الحقيقية وتغولا باسم الإسلام، بعد إعلانها ما سمي ب»الخلافة الإسلامية».
في منتصف شهر يونيو الماضي، عقب إعلان الخلافة المشار إليها، نشر الاتحاد بيانا مستعجلا اعتبر ما حصل نوعا من «الثورة الشعبية» في الموصل، وردا على سياسة نوري المالكي الطائفية. أما الدليل الذي جعله يخلص إلى ذلك الاستنتاج فهو أنه لا يمكن لفصيل -والمقصود هنا تنظيم (داعش)- «مهما كانت قوته، أن يسيطر على مدينة كبيرة يسكنها قرابة أربعة ملايين نسمة». وفي الواقع، نسي الاتحاد أمرين أساسيين: الأمر الأول أن هذا ليس جديدا في حوليات التاريخ السياسي للميليشيات التي تنجح في السيطرة على مناطق يفوق عدد سكانها عدد سكان الموصل؛ والثاني أن السياسة الطائفية للمالكي لم تولد مع تنظيم «داعش»، ولكن الذي ولد مع هذا التنظيم بالفعل هو المعادلة التالية: أنه بعد تمكن النظام السوري من البقاء على غير المتوقع، أصبح واضحا أن إيران ستأكلها كما أكلت العراق، وبذلك نصبح أمام قوس شيعي يضم البلدان الثلاثة علاوة على حزب الله في إيران؛ ولكسر هذا القوس كان لا بد من سحب العراق من إيران، لذلك لم تتضح طائفية المالكي إلا عندما اتضح أننا ماضون نحو هذا القوس.
لكن الاتحاد لم يفطن لهذا الجانب السياسي، أو ربما فطن له وأراد أن يكون موقفه داعما لموقف البلدان التي لا تريد قوسا شيعيا في المنطقة، ولذلك سارع إلى اعتبار دخول تنظيم «داعش» إلى الموصل «ثورة شعبية»، مع أنه يعرف أن جزءا واسعا من مقاتلي هذا التنظيم لا ينتمي إلى العراق، وأن التنظيم يتكون من عدد من الآفاقيين الذين يقاتلون تحت راية التنظيم دفاعا عن رؤيته الدينية والإيديولوجية، ولا يرتبطون بقضية وطنية بقدرما أن ارتباطهم متعلق بقضية ذات صيغة دينية، ومن ثمة تسمية «الخلافة الإسلامية» التي أعلنوها؛ زد على ذلك أن هذه الدولة الجديدة المعلن عنها لا تضم العراق وحده، بل تشمل أجزاء من سوريا، وباب التوقعات مفتوح في حال استمرار الوضع الحالي. وقبل أشهر، نشر التنظيم خريطة بالمناطق التي كان ينتوي ضمها إلى مشروعه السياسي اللاحق، وهي تضم عددا من البلدان في المنطقة، ولا ندري كيف غابت هذه الفكرة عن الاتحاد فاستعجل إصدار بيان يعتبر فيه ما حصل ثورة شعبية، بل «ثورة عارمة للسنة في جميع محافظاتها»، وحتى لو جاز ذلك فهي على الأقل ثورة شعبية تمت سرقتها من طرف التنظيم.
وما إن بدأت عملية طرد المسيحيين العراقيين من الموصل من طرف «الخلافة الإسلامية» حتى عاد الاتحاد إلى مراجعة موقفه السابق، حيث أصدر بيانا ثانيا يعتبر فيه أن تنظيم «داعش» افتأت على المسلمين ب»إعلانه الخلافة المزعومة»، وطالب التنظيمَ بالسماح للمسيحيين بالعودة إلى ديارهم، لأنهم أبناء العراق الأصليون وليسوا دخلاء عليه، ولأن ما يجري محاولة لإدخال العراق في الفتنة.
مثل هذا التغير السريع في المواقف من لدن هيئة عالمية تمثل صوت العلماء في العالم الإسلامي -مع بعض التحفظات- يزيد الطين بلة في الوضع الحالي الذي يجتازه الدين الإسلامي بين المناوشين والمتهارشين، ويمنع من القول بأن الدين يمكن أن يكون مسرحا للحيادية من الناحية السياسية. والظاهر أن الاتحاد حاول أن ينأى بنفسه عن الدخول في خصومة مع النظام الجديد في العراق وسوريا، وأن يبقي الباب مفتوحا أمام التطورات المحتملة مستقبلا، فهناك اليوم حالتان متقابلتان في ما يتعلق بالتعامل مع هذا المولود الجديد: الحالة السورية التي تريد توظيفه من أجل الضغط على بلدان المنطقة والعالم الغربي بوضعهما أمام خيارين، إما هو وإما الإرهاب؛ والحالة العربية في بعض بلدان المنطقة التي تنتظر من المولود الجديد أن يستكمل ما بدأه قبل البحث عن صيغة جديدة لاستئصاله، بعد أن يكون قد أدى وظيفته، ولذلك نرى هذا التصامم الذي يطبع التعامل معه في الوقت الحالي، ريثما يستتب الوضع للنظام في بغداد.
لهذا السبب، لم يتعرض الاتحاد لبيان موقفه العام من مسمى «الخلافة الإسلامية» وجوانب الخطإ الشرعية والدينية فيه، بل بدا -في البيانين معا- وكأنه يتعامل مع وضع مسلم به، مكتفيا فقط بمطالبة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بالسماح للمسيحيين بالعودة إلى منازلهم، على نهج «هذا جهد المقل».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اتحاد علماء المسلمين وتنظيم داعش اتحاد علماء المسلمين وتنظيم داعش



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca