النزعة الطورانية تعود ركضا

الدار البيضاء اليوم  -

النزعة الطورانية تعود ركضا

بقلم - ادريس الكنبوري

في أحشاء الخطاب الإسلامي لحزب العدالة والتنمية وأردوغان يقيم وحش طوراني، وأردوغان ليس أكثر من حفيد للطورانيين القدامى الذين كانوا يحتقرون العرب، ويعتبرون أنفسهم حاملي ألوية العدل والكرامة.

خلال الفترات الأخيرة أصبح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يكثّف من تغريداته على تويتر باللغة العربية. واحدة من تغريداته الأخيرة هي تلك التي بشّر فيها بـ“العدل” التركي مكان “الجور” العربي.

في تلك التغريدة ذكر أردوغان بالماضي العثماني “الزاهر” لكي يقول بأن العرب كانوا أحسن حالا تحت مظلة الإمبراطورية العثمانية، الرجل المريض الذي سلّم العرب إلى مصيرهم وقايض دولة تركيا الحديثة بالتخلّي عن قضيتهم وطعنهم من الخلف.

لكن ما سر هذا التحول المباغت لأردوغان لكي يبدأ في المراهنة على الرأي العام العربي بعد أن أعياه الرهان على الأنظمة؟

الواضح أن الرئيس التركي، وفريقه الحاكم، بات يدرك بأنه خسر المغامرة العربية منذ بضع سنوات. فقد شكّلت مرحلة ما سمي بالربيع العربي قبل سبعة أعوام انعطافة قوية في السياسة الخارجية التركية إزاء المنطقة العربية، حيث اندفعت أنقرة بأقصى طاقتها للاستثمار في تلك الأحداث وتوجيهها الوجهة المرغوبة بهدف الحصول على موطئ قدم في العالم العربي مع المرشحين الجدد للحكم، أولئك الذين يقف ماضيهم عند السلطنة العثمانية ولا يستطيعون التوغل أعمق من ذلك، وتمتلئ مخيلتهم بمخايل الخلافة العثمانية.

ولكن السحابة التي راقبها أردوغان لم تمطر، إذ فشل التيار الإسلامي الذي أمسك الحكم في بعض البلدان العربية، ودخلت البلدان الأخرى التي عصفت بها رياح الربيع حروبا دموية، وبدأت تركيا تشعر بأن زمام الأمور تنفلت من بين أيديها.

والواقع أن “النموذج التركي” الذي سوّقه حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ بداية الألفية الجديدة قد أخذ في التصدع وفقد بريقه في بضع سنين، فتركيا تخسر على أكثر من صعيد، والمعجزة الاقتصادية التي كانت خلف تسويق هذا النموذج بدأت في الانهيار، إذ تراجع معدل النمو من 11.1 في المئة عام 2011 إلى 2.8 في المئة العام الماضي، وتزايد حجم الفساد الداخلي، واتسعت الفجوة بين أنقرة وحلفائها الأوروبيين بسبب انزلاق النظام الحاكم نحو الدكتاتورية وإعلان الحرب على الديمقراطية وحرية الصحافة وحق التعبير، وتحوّل الحاكم “الديمقراطي” إلى سلطان صغير يقلّد أسلافه العثمانيين بعد استفتاء 16 أبريل 2017 الذي شكّل نقلة كبرى نحو الاستبداد الفردي الشعبوي.

وبدل أن يظل ذلـك النموذج مطيّة أردوغان وحزبه إلى العالم العربي، صار النموذج هو الحقبة العثمانية، فالحاضر لم يعد مقنعا ولا بد من اللجوء إلى الماضي لإحيائه. هذا ما يفسّر لنا كيف أن أردوغان الذي كان طيلة الأعوام الماضية يسوّق سياسته العربية بقفّاز من حرير ويحاول إخفاء عثمانيته الجديدة، صار اليوم يعلن جهارا نواياه بإعادة بعث النفوذ العثماني القديم.

لكن في أحشاء الخطاب الإسلاموي الناعم لحزب العدالة والتنمية وأردوغان يقيم وحش طوراني، وأردوغان ليس أكثر من حفيد للطورانيين القدامى الذين كانوا يحتقرون العرب وينظرون إليهم كمجرد أتباع، ويعتبرون أنفسهم أصحاب السابقة وحاملي ألوية العدل والكرامة والسيادة.

لم تتفكك الإمبراطورية العثمانية بفعل التحرّش الأوروبي في نهاية القرن التاسع عشر كما يقال اليوم، ولكن التفكك بدأ قبل ذلك من خلال شعور العرب بأن الجنس التركي هو الذي يتوسع تحت شعار الخلافة الإسلامية ويجعل العرب مجرد حاشية في البلاط.

ولم يكن الذين رفعوا صيحة التحذير من الشعوبية الجديدة من الزعماء السياسيين فحسب، بل كان الذين رفعوا اللواء في البداية هم خاصة العلماء حين رأوا أن المركز في الأستانة يتحكم في الأطراف، فتنادوا إلى رفض النزعة الطورانية التي تمجد الجنس التركي على حساب الجنس العربي، ولا تقبل أن يكون العرب خميرة الإسلام. وقد وصلت تلك النزعة إلى حد الترويج الرسمي لمقولة إن اللغة التركية هي أصل اللغات جميعها، بما فيها العربية، وهي النظرية التي عرفت باسم “نظرية الشمس”، التي ابتكرها نعيم حازم أونات، عضو المجمع العلمي التركي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النزعة الطورانية تعود ركضا النزعة الطورانية تعود ركضا



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca