الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. الخلف على خطى السلف في لعبة المحاور

الدار البيضاء اليوم  -

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الخلف على خطى السلف في لعبة المحاور

الريسوني في جلباب القرضاوي
بقلم : عريب الرنتاوي

أعاد انتخاب أحمد الريسوني، الرئيس الأسبق مرتين لحركة التوحيد والإصلاح المغربية، على رأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في مؤتمره الأخير الذي عقد في إسطنبول، صورة هذا الاتحاد إلى الواجهة بعد أن كان النسيان قد طواه خلال السنوات الأخيرة، خصوصا وأن مواقفه طوال الفترات الماضية ما كانت سوى صدى باهتا للسياسة الإقليمية والتوجهات الدولية للدوحة.

وبخلاف الكثير من المراقبين الذين ركزوا على الوافد الجديد على رئاسة الاتحاد، أحمد الريسوني، فإن مربط الفرس في الموضوع هو رحيل يوسف القرضاوي، الذي ظل على رأس هذا الاتحاد لسنوات طويلة. والسؤال هو: هل رحل القرضاوي نهائيا عن دفة إدارة الاتحاد، أم أنه فقط غادر ببدنه؟

لقد ظل القرضاوي هو سيد الاتحاد منذ أن ترأسه عام 2004 عند إنشائه، وبقي اللاعب الرئيسي في كل توجهاته الدينية والسياسية. وكان ذلك مفهوما لمن يعرف سجل العلاقات التي نسجها مع دولة قطر منذ أن هاجر إليها في ستينات القرن الماضي للإقامة بها بصفة دائمة، إلى درجة أنه حصل على جنسيتها. ومنذ ذلك التاريخ سار الرجل في ركاب السلطة القطرية، في فترة كان الخليج ينعم فيها بحالة من الهدوء؛ ولكن مواقفه السياسية لم تبدأ في الظهور علنيا إلا بعد منتصف التسعينات عندما تم إنشاء شبكة الجزيرة القطرية، وأخذت قطر تسعى إلى لعب أدوار تفوق حجمها، حيث أصبح القرضاوي “فقيه” الدولة، وضيفا دائما على قناة الجزيرة التي تم تحويلها إلى منبر له، فتقلص عنده الجانب الديني على حساب الجانب السياسي، مما أفقده الكثير من التعاطف الذي كان يملكه في الماضي.

ويعد الريسوني، الرئيس الجديد للاتحاد، ظل القرضاوي وأحد الموالين له في ما يتعلق بالمواقف السياسية. فهو كثيرا ما ردد آراءه السياسية وعزاها إليه دون مواربة، بما في ذلك تلك التي أدلى بها القرضاوي في ما يتعلق بالوضع داخل المغرب في مرحلة الربيع العربي. وللذين لا يعرفون العلاقة بين الاثنين فإن القرضاوي عند زياراته للمغرب، وهي قليلة، كان ينزل ضيفا على حركة التوحيد والإصلاح دون غيرها من الحركات، حتى وإن كانت جماعة العدل والإحسان أكثر التنظيمات الإسلامية المغربية جماهيرية. ذلك أن القرضاوي ما كان يرتاح إلى هذه الأخيرة.

والسبب أن الجماعة ليست عضوا في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، كما أن مرشدها الراحل الشيخ عبدالسلام ياسين كان ينأى بنفسه عن الاصطفاف وراء الجماعة المصرية ويختط لنفسه مسلكا جديدا يركز على الداخل الوطني، وكان من الناحية الفكرية يتحلى بالاستقلالية. ومن ثم جاءت تزكية القرضاوي للريسوني لكي يرحل إلى قطر، ويصبح عضوا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

وليس هناك أدنى شك في أن تولي الريسوني رئاسة الاتحاد خليفة للقرضاوي جاء بتزكية من هذا الأخير، حتى يتم ضمان أن يحافظ الاتحاد على نفس الخط الذي سار عليه منذ تأسيسه، وأن يبقى تحت معطف القرضاوي ودولة قطر، وإلا فهناك داخل الاتحاد من هم أعلم منه وأكثر إنتاجا، وهناك علماء من رعيل الخمسينات والستينات، بينما الريسوني لم يظهر على الساحة إلا في نهاية التسعينات. وظني أن قطر، والقرضاوي من ورائها، باتت خائفة من أي سيناريو جديد يمكن أن يقلب الأمور داخل الاتحاد، وأن تظهر أصوات تحاول دفعه إلى أن يكون سيد نفسه، وذلك منذ الاستقالة المدوية للموريتاني عبدالله بن بية في 2013، عندما استقال بطريقة احتجاجية، وأنشأ في العام الموالي “مجلس حكماء المسلمين”. وقد زعزعت تلك الاستقالة كيان الاتحاد، لأن بن بية أحد كبار العلماء في العالم الإسلامي، وكان نائبا للقرضاوي داخل الاتحاد. وما إن ابتعد بن بية حتى تم المجيء بالريسوني مكانه، ليكون الحارس الأمين على إرث القرضاوي. فقد فهمت قطر أن استقالة بن بية، الذي كان المرشح لخلافة القرضاوي، خففت الكثير من العبء لأن وصوله إلى رئاسة الاتحاد كان سيحمل مفاجأة من العيار الثقيل، وهو ما دفعها إلى تأمين الوضع داخل الاتحاد بوضع الريسوني إلى جانب القرضاوي. ولكن هذه السياسة فشلت قبل سبع سنوات مع اندلاع الربيع العربي، إذ بدأت الخلافات تتنامى داخل الاتحاد، نتيجة التصريحات المتوالية للقرضاوي الذي كان دائما يرفق اسمه عند كل خروج إعلامي بالصفة التي يتوفر عليها في الاتحاد، دون أن يضع مسافة بينه وبين هذا الأخير، مما كان يعني في نظر الكثيرين أن تلك التصريحات تعبر عن الموقف الرسمي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأن الاتحاد ليس واجهة لتصريف المواقف السياسية من منصة الدين.

وتطورت الأمور أكثر حين دعا علنا إلى قتل حاكم ليبيا السابق معمر القذافي، إذ اتهمه البعض بالدعوة إلى الفتنة وإباحة القتل مما قد يدفع الكثيرين إلى إدخال المحظور تحت ذلك الحكم. وكلها تصريحات تظهر القرضاوي كرجل يغلب جانب الانقسام على جانب الدعوة إلى الحوار والاعتدال، لأنه يتخذ مواقف تظهر حماسة السياسي لا هدوء رجل العلم الشرعي.  وبشكل خاص في الشأن المصري، ظهر لدى القرضاوي جنوح إلى جماعة الإخوان المسلمين أكثر من الجنوح إلى تغليب كفة المصالحة، خلافا مثلا لمواقف آخرين من الاتحاد كعلي القرة داغي الذي طالب بعودة الشرعية رابطا إياها بضرورة المصالحة الوطنية.

ولذلك لا يمثل وصول الريسوني إلى رئاسة الاتحاد حدثا، فهو سيسير على خطى سلفه. فمواقفه السياسية معروفة وهي الولاء لجماعة الإخوان المسلمين، حتى وإن كان يمزجها بنقد أخوي يوحي للبعض بأنه يقف في الضفة المقابلة.

وللريسوني مواقف سلبية كثيرة داخل المغرب، فهو لا يني يصطف إلى جانب حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، ويتخذ مواقف سياسية تغيب عنها الحكمة، نظرا لجهله بالسياسة، مما يثير عليه داخل المغرب السخرية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الخلف على خطى السلف في لعبة المحاور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الخلف على خطى السلف في لعبة المحاور



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca