عملية سيناء.. مصر تدفع ثمن مواقفها

الدار البيضاء اليوم  -

عملية سيناء مصر تدفع ثمن مواقفها

بقلم - ادريس الكنبوري

مصر دفعت ثمن موقعها كما دفعت ثمن موقفها في انخراطها في استراتيجية محاربة الإرهاب العالمي الذي يريد أن يحول سيناء إلى جبهة مفتوحة وخلفية للإسلام السياسي.

لم يكن مفاجئا أن يسارع تنظيم داعش الإرهابي إلى إعلان مسؤوليته عن العملية الإجرامية التي ضربت مسجد الروضة في العريش بشمال سيناء، وخلفت أكثر من 300 قتيل وعشرات الجرحى؛ فهذه العملية يريدها رسالة إلى شعوب المنطقة والعالم بأن دحره في العراق وسوريا لن يفل من عزيمته لمواصلة عملياته الإرهابية خارج المناطق التي طرد منها، وبأن القضاء عليه في مكان لا يعني اجتثاثه نهائيا من الوجود والظهور في مكان آخر لإتمام مشروعه الإرهابي.

لا شك أن العملية الأخيرة، وهي الأوسع في تاريخ الإرهاب بمصر، قد تم تحضيرها بدقة وتركيز، وتم تحديد أهدافها وتوقيتها والسقف الأعلى للقتلى لكي تكون عملية موجعة لمصر، بحيث تسهم في تفجير العلاقة بين الشعب المصري والدولة، من خلال اتهامها بالتقصير في محاربة الإرهاب.

إن كل عملية تنفذها جماعة إرهابية لديها بعد سياسي مقصود، هو استهداف بنية العلاقة القائمة بين المواطن والدولة، والدفع نحو التشكيك في أهلية النظام السياسي لحماية الناس وضمان أمنهم. فالإرهابيون يدركون جيدا أن عملياتهم الإرهابية لن تسمح لهم بإنجاح مشروع “التمكين” الذي يطمحون إليه، ولكنهم يسعون من ورائها إلى زعزعة ثقة المواطنين في الدولة، لأنهم يعرفون أن زوال هذه الثقة يشكل بداية النجاح لمشروعهم الذي يراهن على الزمن.

لكن ما حصل في سيناء يفتح أعيننا على الأساليب المتبعة في محاربة الإرهاب وملاحقة الإرهابيين، والمسؤوليات الغربية في التعامل مع المقاتلين في صفوف هذه الجماعات في العراق وسوريا. فأوروبا والولايات المتحدة لا تتعاملان بالجدية اللازمة مع ملف العائدين من ساحات القتال، والمقاتلين الأجانب الذين التحقوا قبل ثلاثة أعوام بتنظيم داعش، وأعدادهم تقدر بالآلاف، بعد خسارة التنظيم للعديد من المناطق التي كانت تحت قبضته في سوريا والعراق.

إن هؤلاء يشكلون اليوم قنبلة موقوتة بالنسبة لأمن البلدان العربية في المنطقة، إذا تم التساهل مع عودتهم ولم يعالج ملفهم بما يكفي من الصرامة، يمكن في أي وقت أن يتحولوا إلى طابور خامس داخل هذه البلدان بعد تسللهم إليها بطريقة أو بأخرى، فالإرهابيون يجدون دائما الوسيلة لتخطي نقاط المراقبة والتسرب عبر الحدود، خصوصا في المناطق المشتعلة التي توجد فيها تنظيمات إرهابية تساعدهم على التسلل، كما هو الأمر في شبه جزيرة سيناء.

يحارب الأوروبيون العائدين من ميادين القتال مع الجماعات الإرهابية للحيلولة دون دخولهم إلى أراضيهم، ولكنهم يظلون مترددين حيال التعامل معهم بالنسبة للبلدان العربية. وهم ينطلقون من رؤية أنانية ترى أن أمن أوروبا هو الأهم حتى لو كان ذلك على حساب أمن بلدان المنطقة. هذا ما نشهده لدى بعض الحكومات الأوروبية التي تعالج تطرف بعض المهاجرين بطردهم إلى بلدانهم، بينما لا تقدم لهذه البلدان أي مساعدات لوجستية أو حتى تقديم ملفاتهم الغنية بالمعلومات إلى هذه البلدان، ما يجعل هذه الأخيرة في مواجهة المخاطر الإرهابية مستقبلا.

لقد أصبحت الظاهرة الإرهابية أكثر عولمة في السنوات الأخيرة، والأمر لم يعد مقتصرا على منطقة دون أخرى. وعلى أي معالجة لهذه الظاهرة أن تأخذ بعين الاعتبار هذا الطابع العالمي وأن تعتبر الحدود الجغرافية مجرد حدود كلاسيكية أمام تطور الشبكات الإرهابية العابرة للحدود.

لقد دفعت مصر ثمن موقعها كما دفعت ثمن موقفها في انخراطها في استراتيجية محاربة الإرهاب العالمي الذي يريد أن يحوّل سيناء إلى جبهة مفتوحة، وخلفية للإسلام السياسي الذي يبحث عن استعادة دوره في الساحة المصرية. ولكن أسلوب الإدانات لم يعد كافيا في التعامل مع ظاهرة مرشحة للاستفحال مستقبلا، فالأمر لا يتعلق بزلزال راح ضحيته عشرات المواطنين ويحتاج إلى برقية عزاء، بل بعملية إرهابية مقصودة ومخطط لها ربما من خارج مصر، وهو يتطلب تنسيق الجهود بين مختلف الأطراف والكشف عن الممولين للجماعات الإرهابية والمساندين للإرهاب من داخل المنطقة أو من خارجها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عملية سيناء مصر تدفع ثمن مواقفها عملية سيناء مصر تدفع ثمن مواقفها



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 12:24 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

عودة الإلترات

GMT 07:22 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

زوري أيسلندا للتمتع بمغامرة فريدة من نوعها

GMT 01:38 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

ميغان ماركل تنوي شكر صديقاتها في حفلة زفافها الثانية

GMT 06:54 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

رائد محسن يوضّح كيفية تربية الأطفال بالطرق الصحيحة

GMT 05:59 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

5 حيل ذكية لتهدئة بكاء الطفل سريعًا

GMT 12:20 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

حسين فهمي وشيري عادل يفضلان الرسم ومحمد رمضان يعشق الرياضة

GMT 00:17 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة بريطانية تتيح درجة البكالوريوس في "البلايستيشن"

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 12:35 2018 الجمعة ,08 حزيران / يونيو

توقيف محامي في تطوان مُتهم بتزوير أختام الدولة

GMT 04:53 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

طرق ترطيب الشعر الجاف في فصل الصيف

GMT 07:22 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

"لاند روڤر" تُطلق أوّل سيارة كوبيه فاخرة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca