الإرهاب والفساد السياسي

الدار البيضاء اليوم  -

الإرهاب والفساد السياسي

بقلم - ادريس الكنبوري

ليس هناك أدنى شك في أن الفساد السياسي والمالي يشكل بيئة ملائمة لكل أشكال الجريمة والانحراف وتبييض الأموال والإرهاب، ويخلق طبقة من السياسيين الذين يمكن أن يتواطؤوا مع الجماعات الإرهابية.

في الوقت الذي تواجه فيه بعض الحكومات في القارة الأفريقية خاصة، استحقاقات صعبة في مجال محاربة الإرهاب والتطرف الديني، وتسعى إلى اجتثاث جذور العنف المسلح، هناك تساؤلات عدة تطرح لدى المراقبين والحكومات الغربية بشأن مصداقية تلك السياسات الأمنية الموجهة إلى القضاء على الخطر الإرهابي، في ظل غياب الجدية لدى المسؤولين الحكوميين في تلك البلدان بخصوص محاربة ظاهرة الفساد السياسي ووضع منظومة فعالة للحكامة الجيدة وبسط القانون، الذي هو عنوان لسلطة الدولة وتحكمها في المرافق التابعة لها.

وإذا كانت الدولة في العديد من المجتمعات الأفريقية التي تعاني من التحديات الإرهابية، تعيش حالة من الانكماش أمام الجماعات المسلحة، وتوضع ضمن قامة الدول الهشة القابلة للاهتزاز أمنيا، فإن الفساد السياسي يضاعف تلك الهشاشة ويقلص من سلطة الدولة وهيبتها، ويستنزف قدراتها في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة.

فليس هناك أدنى شك في أن الفساد السياسي والمالي يشكل بيئة ملائمة لكل أشكال الجريمة والانحراف وتبييض الأموال والإرهاب، ويخلق طبقة من السياسيين الذين يمكن أن يتواطؤوا مع الجماعات الإرهابية، خصوصا في بعض البلدان الأفريقية التي يتقلص فيها دور الدولة المركزية وتوجد فيها الأطراف ضمن دائرة التهميش، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ظهور شبكة من المصالح المتداخلة بين هذه الأطراف وأمراء الجماعات المسلحة.

وتشير تقارير دولية عدة، في ما يتعلق بالقارة الأفريقية، إلى أن غياب إرادة سياسية قوية في محاربة الفساد السياسي يلجم قدرات الحكومات المحلية على محاربة الإرهاب والتطرف، ويمثل عائقا أساسيا أمام أي استراتيجية فعلية للحد من المخاطر الإرهابية، بالنظر إلى وجود علاقة تبادلية أو وظيفية بين الإرهاب والفساد السياسي والمالي.

وتشعر حكومات الدول الأفريقية منذ بروز الأخطار الإرهابية في السنوات الأخيرة، بالتكلفة الصعبة لمحاربة الإرهاب، بسبب وجود عوائق بنيوية ممتدة الجذور منذ الاستقلال، تتمثل في ضعف سلطة الدولة وطموح العشائر والقبائل في الأطراف إلى لعب أدوار سياسية توازي إن لم تكن تفوق الدور المركزي للدولة، وفي وجود شبكات متداخلة من المصالح الجانبية التي قد تتعارض مع المصلحة العليا للدولة، وهو ما يجعل كلفة مواجهة الإرهاب كلفة مزدوجة، لأن أي سياسة أمنية فعالة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار إعادة بناء الدولة المركزية ومحاربة مختلف أشكال الفساد السياسي.

وتدرك البلدان الأوروبية، التي تسعى إلى دفع العواصم الأفريقية نحو الشراكة الأمنية لمواجهة المخاطر الإرهابية، أن الدعم المالي الذي تقدمه للأفارقة لا يذهب كله إلى ما دفع من أجله، ولكنها أمام التحدي الأمني على حدودها وأمام الضرورة الاستعجالية لمحاربة الإرهاب لا تقوم بما يتعين القيام به من الضغط على الحكومات من أجل إعمال مبدأ الحكامة الجيدة ومكافحة أخطبوط الفساد السياسي والمالي، مكتفية بمجرد توجيه النصح والتوصيات بضرورة فرض سلطة القانون.

وليس الأمر مقتصرا على البلدان الأفريقية فحسب، ففي العراق أنفقت الإدارة الأميركية مبلغ 25 مليار دولار لتكوين جيش محترف بحيث يكون قادرا على محاربة المتطرفين والجماعات الإرهابية وبسط سلطة الدولة، ولكن الفساد السياسي في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي أعاد تكريس قيم الزبونية والطائفية قوض المشروع الوطني لبناء جيش نظامي حقيقي، وهو ما جعل القوات العراقية تنسحب أمام مقاتلي جماعة الدولة لأبي بكر البغدادي في بضع ساعات في مدينة الموصل عام 2014.

وفي أفغانستان أنفقت الإدارة الأميركية مبلغ 65 مليار دولار لبناء جيش أفغاني قوي، لكن الفساد السياسي بقي شوكة في خاصرة الدولة الضعيفة التي لا تستطيع حماية نفسها في مواجهة مقاتلي حركة طالبان. ويمكن فهم التهديد الذي وجهه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى باكستان بوقف المساعدات المالية باعتباره يسير في نفس المنحى، إذ تدرك واشنطن أن إسلام أباد لا تتحلى بالجدية اللازمة في محاربة جماعة طالبان فوق أراضيها، وتتواطأ بشكل سري مع قادتها، ما يطرح شكوكا حول مصير تلك المساعدات المالية، ففي ظل الفساد السياسي يصبح التواطؤ مع الجماعات الإرهابية ممكنا، وينغلق الأفق أمام السياسات الأمنية التي تجد نفسها تدور في حلقة مفرغة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب والفساد السياسي الإرهاب والفساد السياسي



GMT 04:38 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

بين سياسة ترمب وشخصيته

GMT 04:35 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

استئذان فى إجازة

GMT 04:32 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

غضب الشباب ويأس الشيوخ

GMT 02:59 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

العراق نموذجا!

GMT 02:57 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

عيون وآذان " ترامب في صحافة بلاده والعالم - 2"

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca