زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للرباط محطة جديدة في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية، من شأنها أن تقود إلى تعبيد الطريق أمام حل مختلف نقاط الخلاف العالقة بين البلدين.
في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية، التي تتراوح باستمرار بين المد والجزر، تعدُّ الفترات التي يتولى فيها الاشتراكيون السلطة في مدريد أحسن المحطات، بحيث تشهد تقاربا أكبر بين البلدين بسبب تفهم كلا الطرفين لمصالح بعضهما البعض.
مقابل ذلك شهدت الفترات التي قاد فيها الحزب الشعبي اليميني السلطة توترات في مسار العلاقات الثنائية، وكانت أخطر تلك التوترات ما حصل عام 2002 في عهد حكومة خوسي ماريا أزنار، حين قرر هذا الأخير إنزال فيلق عسكري في جزيرة ليلى المغربية الصغيرة على الساحل المتوسطي، ما كاد يؤدي إلى نشوب نزاع عسكري غير مسبوق بين البلدين، قبل أن تتدخل كتابة الدولة الأميركية في الخارجية في عهد وزير الخارجية الأسبق، كولن باول، لنزع فتيل المواجهة. ونفس الأمر حصل في عهد الحكومة السابقة التي كان يقودها ماريانو راخوي عن الحزب الشعبي أيضا، حيث اندلعت بين البلدين أزمة بسبب ملف الصيد البحري وقضية الهجرة السرية.
لذلك ينظر الكثيرون إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية الجديد، بيدرو سانشيز، الاثنين الماضي، للرباط بوصفها محطة جديدة في تاريخ هذه العلاقات في الوقت الراهن، من شأنها أن تقود إلى تعبيد الطريق أمام حل مختلف نقاط الخلاف العالقة بين البلدين.
ومن خلال تجربته مع الحكومات التي يترأسها الاشتراكيون في إسبانيا، اعتاد المغرب على إرسال إشارات إيجابية في عدد من المواقف مقابل الحصول على تنازلات من الطرف الآخر، وهو ما يدركه الحزب الاشتراكي العمالي الذي يحرص في كل مناسبة يتولى فيها السلطة على تحقيق تفاهم أكبر مع الرباط بسبب الجوار الجغرافي وتداخل الملفات بين البلدين وارتباط مصالح إسبانيا بالمغرب، خصوصا في ما يتعلق بمجال الاستثمار الاقتصادي والصيد البحري والمياه الإقليمية المشتركة.
موضوع الهجرة السرية كان على رأس القضايا التي بحثها الطرفان، ففي الفترات الأخيرة ألقت هذه القضية بثقلها على الساحة السياسية الإسبانية وكانت محل جدال مع الرباط، ما جعل الطرفين يحرصان على التوصل إلى تفاهم مشترك ينهي هذه المشكلة التي تثار بين الحين والآخر وتؤثر على مختلف القضايا الأخرى.
والجديد الذي توصل إليه البلدان هذه المرة هو التوافق على ترحيل المهاجرين السريين الذين يصلون إلى التراب الإسباني بطريقة غير شرعية، وإعادة العمل بالاتفاق الموقع بين البلدين عام 1992 الذي ينص على استقبال المغرب للمهاجرين الذين يتم ترحيلهم.
بيد أن الاتفاق المذكور لم يتم تفعيله طوال الفترة الماضية، بسبب التطور الذي حصل في موضوع الهجرة وتدفق الآلاف من المهاجرين القادمين من بلدان الساحل والصحراء على التراب المغربي خلال السنوات الماضية، الأمر الذي كان يضع على المغرب عبئا ثقيلا في حال قبوله استقبال جميع المهاجرين. وكان المغرب طيلة المرحلة الماضية ينادي بحل مشترك لأزمة الهجرة بين البلدان الأفريقية والاتحاد الأوروبي، بدل تحميل جهة واحدة المسؤولية.
غير أن الأحداث التي حصلت في أغسطس الماضي، عندما تدفق العشرات من المهاجرين الأفارقة على مدينة سبتة المحتلة شمال المغرب، متخطين الحاجز الأمني الفاصل، دفع البلدين إلى التنفيذ الجزئي للاتفاق المشار إليه، حيث قامت إسبانيا بترحيل 116 مهاجرا أفريقيا إلى المغرب. مقابل ذلك تعهد رئيس الحكومة الإسبانية بالدفاع أمام الاتحاد الأوروبي من أجل رفع قيمة المساعدات الموجهة إلى المغرب والبلدان الأفريقية التي تشكل مصدرا للمهاجرين السريين، وفتح حوار مع هذه البلدان بهدف البحث عن حلول إيجابية لأزمة الهجرة.
وقد حمل رئيس الحكومة الإسبانية معه اقتراحا جديدا الغاية منه دفع التقارب خطوات أوسع إلى الأمام، ويتعلق الأمر بتنظيم كأس العالم لعام 2030 بشكل مشترك بين إسبانيا والمغرب والبرتغال.
وأعرب رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا عن ترحيبه بالاقتراح الإسباني ووصف ذلك بأنه “فكرة سياسية جيدة”، لكنه أشار أيضا إلى أن المبادرة المشتركة يمكن أن تفسر من جانب البلدان الأفريقية بطريقة معينة، ربما في إشارة إلى مقترح الجزائر بتنظيم كأس العالم لنفس الفترة بشكل مشترك مع كل من تونس والمغرب، حسبما أعلن وزير الرياضة الجزائري محمد حطاب خلال هذا الأسبوع.
وكان المغرب قد قدم ترشيحه لاحتضان كأس العالم لعام 2026 لكنه خسر السباق أمام الترشيح الجماعي للولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك. وفي يونيو الماضي أعلن المغرب عزمه تقديم ترشيحه لاحتضان هذه المناسبة الكروية العالمية عام 2030. وسبق للمغرب أن قدم ترشيحه أعوام 1994 و1998 و2006 و2010.