ما هو أبعد من سقوط الطائرة الجزائرية

الدار البيضاء اليوم  -

ما هو أبعد من سقوط الطائرة الجزائرية

بقلم - ادريس الكنبوري

المرحلة الحرجة التي يمر منها نزاع الصحراء هذه الأيام هي ما أعطى لهذا الحادث الدرامي بعدا سياسيا وجعل المغرب أكثر قلقا على مستقبل ملف وحدته الترابية.

تلعب المصادفات أحيانا الدور الذي لا تستطيع الترتيبات السياسية أن تنهض به، بل إنها في العديد من الحالات تلعب أدوارا معاكسة لتلك الترتيبات. ولعل المصادفة وحدها هي التي جمعت في أسبوع واحد بين التصعيد على الأرض، على إثر دخول قوات جبهة البوليساريو المنطقة العازلة في الصحراء في خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار ساري المفعول منذ العام 1991، وسقوط الطائرة العسكرية الجزائرية التي كان على متنها حوالي ثلاثين جنديا من قوات الجبهة.

الطائرة أقلعت من القاعدة العسكرية الجوية لبوفاريك قريبا من العاصمة الجزائرية، متوجهة إلى محافظتي بشار وتندوف، حيث مقر القيادة العسكرية لجبهة البوليساريو ومخيمات اللاجئين الصحراويين الموجودين هناك منذ عقد السبعينات من القرن الماضي، لكنها سقطت على بعد عشرين كيلومترا من القاعدة الجوية، مخلفة مقتل جميع طاقمها وركابها البالغ عددهم 257 شخصا، كلهم عسكريون مع أفراد عائلاتهم.

لكن خلف المأساة الإنسانية تكمن تساؤلات سياسية. ولعل المرحلة الحرجة التي يمر منها نزاع الصحراء هذه الأيام هي ما أعطى لهذا الحادث الدرامي بعدا سياسيا وجعل المغرب أكثر قلقا على مستقبل ملف وحدته الترابية الذي يراوح مكانه منذ ما يزيد على الأربعين عاما، دون أن يغادر النفق المسدود. فهذه أول مرة منذ نشوب النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو يحصل حادث من هذا النوع يكشف معطيات جديدة حول العلاقات الواسعة بين القيادة الجزائرية وقيادة البوليساريو، تلك العلاقات التي ظلت الجزائر تصر على نفيها باستمرار، إذ أن وجود ثلاثين عسكريا من الجبهة على متن طائرة تابعة للجيش الجزائري، على مسافة قريبة من العاصمة، وأقلعت من قاعدة عسكرية، جاء ليعزز الاتهامات التي كان المغرب يوجهها إلى السلطات الجزائرية متهما إياها بالوقوف وراء خلق الجبهة وتسليحها وتمويلها ووضع برنامج عمل لها.

منذ بدء النزاع حول الصحراء كان الملك الحسن الثاني يؤكد على الدوام أن الحل ليس بين المغرب والبوليساريو، بل بين المغرب والجزائر وجها لوجه

ما حصل يذكر بحرب عام 1963 بين المغرب والجزائر التي سميت حرب الرمال، فقد تبين في تلك المرحلة أن بين الجنود الذين اعتقلهم الجيش المغربي كان يتواجد مقاتلون مصريون بعثهم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، الذي لم يكن يقبل بوجود الملك الراحل الحسن الثاني في الحكم بالمغرب، وكان ينظر إلى تلك الحرب بوصفها حرب القضاء على الملكية، وهو الأمر الذي أحرج القيادة المصرية آنذاك.

ولا بد أن هذا الحادث سوف يجعل الدولة الجزائرية في حرج كبير أمام المغرب والرأي العام الدولي، هي التي ظلت طوال عقود مضت تلوح بشعار “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي” وتؤكد أنها طرف محايد في النزاع. ولكن الحقائق على الأرض مغايرة تماما. فمنطقة تندوف محافظة تابعة للسلطات الجزائرية، ولم يحصل في تاريخ الميليشيات المسلحة أن واحدة منها اتخذت موقعا لها في تراب دولة معينة لتكون مستقلة في قراراتها السياسية والعسكرية. وعلى مدى العقود الماضية ظلت الجزائر هي من يقدم الدعم للجبهة، كما ظل القادة في الجبهة يتسلمون تعليماتهم من القيادة الجزائرية في السلم والحرب، ويكشف حادث سقوط الطائرة العسكرية اليوم هذه الحقائق بشكل فاقع، إذ أن وجود ثلاثين عسكريا من البوليساريو يعني أن هؤلاء كانوا يخضعون لتدريبات عسكرية في القاعدة الجوية الجزائرية، وكان مخططا إنزالهم في تندوف؛ بل ربما كشف الحادث ما هو أخطر من ذلك، وهو أن هناك عسكريين جزائريين يعملون داخل القيادة العسكرية للجبهة على مستوى التخطيط والتوجيه.

مثل هذه الحقائق ظلت مفهومة لدى الرباط، فمنذ بدء النزاع حول الصحراء كان الملك الحسن الثاني يؤكد دائما أن الحل ليس بين المغرب والبوليساريو، بل بين المغرب والجزائر. وقبل ثلاث سنوات كشف أحمد طالب الإبراهيمي، الذي كان وزيرا للخارجية والإعلام في عهد الرئيس الجزائري الأسبق الهواري بومدين، أن الحسن الثاني كان يبعث إلى هذا الأخير دائما أحد أفراد أسرته المقربين لعرض حوار مباشر، ما يؤكد أن المغرب كان يدرك بأن الجزائر هي الطرف الأساسي في ملف الصحراء. وحسب الملك المغربي الراحل في مذكراته الشخصية التي أجراها مع الصحافي الفرنسي إريك لوران فقد كان مقررا عقد قمة ثنائية بينه وبين بومدين نهاية 1978، لكن مرض هذا الأخير ووفاته حالا دون انعقادها. وقد بقي الحسن الثاني مصرا على أن حل النزاع لن يكون إلا مع الجزائر، وتم في هذا الإطار عقد قمة بينه وبين الشاذلي بن جديد عام 1979، ثم أنشئ اتحاد المغرب العربي عام 1989 بمراكش ليكون إطارا إقليميا لحل النزاع، لكن الملف بقي معلقا بسبب أن قضية الصحراء لم تكن بيد الرئيس، بل بيد المؤسسة العسكرية تحت تسمية “تركة بومدين”.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما هو أبعد من سقوط الطائرة الجزائرية ما هو أبعد من سقوط الطائرة الجزائرية



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca