أزمة ثقة بين الإسلاميين والدولة في المغرب

الدار البيضاء اليوم  -

أزمة ثقة بين الإسلاميين والدولة في المغرب

بقلم - ادريس الكنبوري

قضاة المغرب يعربون عن استيائهم من مواقف قيادات حزب العدالة والتنمية معتبرين ذلك يمثل تدخلا في القضاء بسبب إعادة فتح القضية المتهم فيها عبدالعالي حامي الدين.

 

بعد تجربة تزيد على ست سنوات من تدبير الشأن العام وقيادة حكومتين متعاقبتين في المغرب، يبدو أن مناخ الثقة بين حزب العدالة والتنمية، ذي الاتجاه الإسلامي، والدولة، يتعرض لاختبار صعب نتيجة الأزمة التي أحدثها الاشتباه في تورط أحد أعضاء الأمانة العامة للحزب في قضية قتل تعود إلى عام 1993 إبان المواجهات الطلابية داخل الجامعات المغربية بين الإسلاميين واليساريين، والتي قتل خلالها طالب يساري على يد طلبة ينتمون إلى الفصائل الإسلامية بجامعة فاس.

جريمة القتل سبق أن أدين فيها عبدالعالي حامي الدين، البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، قبل سنوات عدة، عندما كان طالبا، ثم تمت تبرئته من قبل قسم الجنايات بمحكمة فاس بدعوى أن الطالب اليساري كان ضحية مشاجرة بين الطلبة أدت إلى مقتله، لكن ظهور شاهد جديد في القضية بعد كل هذه الفترة دفع القضاء إلى إعادة فتح الملف من جديد، ما أثار غضب الحزب الإسلامي الذي اعتبر فتح الملف مجددا تصفية لحسابات سياسية معه. وعلل الحزب موقفه، من الناحية القانونية، بعدم جواز تعريض شخص للمحاكمة مرة ثانية في جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها في محاكمة سابقة.

وبينما انقسمت الآراء من الناحية القانونية بين من يعتبر أن إعادة المحاكمة صحيحة قانونيا، باعتبار ظهور شاهد جديد لم يتم الاستماع إليه ربما يتوفر على معطيات جديدة، ومن يرى أنها خرق للقوانين الجاري بها العمل، شهدت الساحة السياسية انقساما أكبر يعود بدرجة أساسية إلى المواقف المتصلبة التي عبر عنها الحزب حيال القضية، والتشكيك في سلطة القضاء، من دون فسح المجال أمام القضاء ليقول كلمته، ودون انتظار ما ستسفر عنه المحاكمة.

هذا التشكيك أثار التساؤل لدى الكثير من المراقبين من انقلاب الحزب على مواقفه السياسية السابقة، طوال رئاسته للحكومة منذ 2012، والتي كان خلالها يدافع عن استقلالية القضاء في المغرب ويعتبر أن الطعن في مصداقيته خط أحمر.

والغريب أن أول من هاجم القضاء هو وزير الدولة لحقوق الإنسان مصطفى الرميد، الذي كان في الحكومة السابقة لعبدالإله بن كيران وزيرا للعدل، وأشرف على مشروع إصلاح قطاع العدالة في البلاد بناء على توجيهات العاهل المغربي الملك محمد السادس. ووصف الرميد إعادة فتح الملف بأنها “اجتهاد أخرق”، واعتبرها منافية للمحاكمة العادلة، ما جر عليه انتقادات واسعة من لدن قضاة ومحامين رأوا أن موقفه مساس مباشر بهيبة القضاء وطعن في السلطة القضائية التي تصدر قراراتها باسم الملك في المحاكم المغربية.

ولم يقتصر الأمر على الرميد، بل التحق به أيضا سعدالدين العثماني رئيس الحكومة، الذي رأى أن قرار إعادة المحاكمة “غير معقول”، في الوقت الذي يفرض عليه منصبه، بوصفه قائدا للتحالف الحكومي والرئيس المباشر لوزير العدل، أن يلتزم الحياد ويدافع عن مؤسسات الدولة.

وطوال الأعوام السابقة كان كل من الرميد والعثماني يشجبان أي موقف يشكك في القضاء المغربي، وأثناء المحاكمات التي أقيمت للشباب المحتج في منطقة الريف العام الماضي، كان الرجلان يواجهان الجمعيات الحقوقية وعائلات المعتقلين بدعوى أن القضاء في المغرب مستقل ونزيه. وكان الرميد يقسم بأغلظ الإيمان في اللقاءات والندوات بأن القضاء المغربي يتمتع بالاستقلالية التامة ويهدد كل من تسول له نفسه التشكيك في نزاهة القضاء، قبل أن ينقلب على مواقفه وينتقل إلى الصف الآخر، ويسحب كل تلك الكلمات التي كان يصرخ بها أمام المواطنين.

والواضح أن العدالة والتنمية وضع نفسه، بهذه المواقف، في مأزق سياسي من شأنه أن يسدد الضربة القاضية إلى صورته وخطاباته المتكررة عن رغبته في الإصلاح والدفاع عن سلطة المؤسسات. فقد أظهر نوعا من الانتهازية والازدواجية في مواقفه من القضاء المغربي، وفتح الباب أمام كل المشككين في الأحكام القضائية، بل إنه من موقعه داخل الحكومة أعطى صك براءة لأولئك الذين قد يخرجون غدا ويعلنون أن القضاء في البلاد ليس سلطة مستقلة، بناء على هذه السابقة التي سجلها حزب يقود حكومة أفرزتها صناديق الاقتراع، ذلك أن الحزب قدم البرهان الواضح على أن الولاء لديه ليس للمؤسسات بل للانتماء الحزبي والسياسي، وأن منطق الدولة يتصاغر شأنه عندما يتعلق الأمر بمصالح التنظيم.

وكان المحامي عبدالصمد الإدريسي، عضو حزب العدالة والتنمية، قد وصف الملاحقة القضائية لعبدالعالي حامي الدين بأنها “متابعة سياسية”، معتبرا أن قرار قاضي التحقيق “يخرق كل الأبجديات والمبادئ المتعارف عليها قانونا” ومحاولات تستهدف التشكيك في استقلالية القضاء.

أما العثماني فقد سعى لنفي الأخبار التي تشير إلى وجود انقسامات في المواقف داخل حزب العدالة والتنمية بشأن الملاحقة القضائية للقيادي بالحزب عبدالعالي حامي الدين في قضية مقتل الطالب اليساري بجامعة فاس في العام 1993.

وصرح “نحن مجمعون على الموقف، بجميع المؤسسات داخل الحزب، والأمانة العامة اتخذت موقفها بالإجماع، ولا مجال للتشكيك، ونفهم البعض من الأصوات التي لا ترى الأمور كما هي عليه، وتريدنا حزبا مشتتا وضعيفا وغير قادر على اتخاذ موقفه”.

مواقف قيادات حزب العدالة والتنمية أثارت استياء القضاة في المغرب واعتبروا البيان الذي أصدره الحزب “مسا بليغا بقواعد المحاكمة العادلة وسابقة تهدد استقرار وسيادة الأحكام القضائية وتمس في العمق بالأمن القضائي”.

وأعرب رئيس رابطة قضاة المغرب، عبداللطيف عبيد عن نية الرابطة تقديم قضية ضد الوزير مصطفى الرميد وضد الانتقادات التي وجهت للقضاء المغربي والتي اعتبر أنها قد “تجاوزت الخط الأحمر”.

قضاة المغرب اعتبروا أن تصريحات الوزير المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية تمثل تدخلا في القضاء بسبب إعادة فتح القضية المتهم فيها عبدالعالي حامي الدين.

واستنكر رئيس الودادية الحسنية للقضاة عبدالحق العياسي تصريحات الرميد قائلا إن “المغرب لم يشهد منذ عقود تدخل مسؤول حكومي في القضاء” مشددا على استقلالية القضاء في بلاده.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة ثقة بين الإسلاميين والدولة في المغرب أزمة ثقة بين الإسلاميين والدولة في المغرب



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca