اثر مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية

الدار البيضاء اليوم  -

اثر مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية

بقلم : الدكتور حسين الخزاعي

بدايةً ؛ لابد من التذكير هنا بأن مفهوم يستند بالاساس الى الانترنت بتطبيقاته المتوالدة. فأدوات التواصل الاجتماعي غير محصورة في "الفيسبوك" او "التويتر" فقط، كما هو متداول لدى العموم، اذ تعني علميا وأجرائيا كل وسائل التواصل التكنولوجي التي تحقق للمستخدمين العديد من المؤشرات مثل التفاعل اللحظي المتبادل عبر اللغة والصور وبث الافلام القصيرة والصور الشخصة والعائلية. وهذا يشمل ادوات تكنولوجية اضافية مثل الهاتف الخلوي ، ومنظومة الاجهزة المحوسبة ايضا. وبناء على ما سبق، فلقد عملت وسائل التواصل التكنولوجية كاحدى اذرع العولمة العديدة على صعيد الاسرة العربية على ما يأتي : اولاً البناء الاسري التاريخي ممثلا في طبيعة انشاء الاسرة من حيث مقدمات الزواج التي كانت قبل دخول أدوات التواصل على الافراد من الجنسين والراغبين في الزواج، اليات روتنية بسيطة وجهوية، اذ كانت اغلب حالات الزواج تتم على اساس ابناء العمومة او ابناء القرية او المدينة الواحدة، او حتى الدين الواحد اي ما يعرف علميًا ب "الزواج الداخلي". ولكن ما أن دخلت هذه الوسائل التواصلية كاستحقاق مصاحب لاطروحات وادي العولمة واذرعها الفكرية منذ بداية تسعنيات القرن الماضي ، حتى شكلت سطوة على عناوين حياتنا انطلاقا من الاسرة وتراجع مكانتها كأولوية في حياة الشباب من الجنسين في حياتنا المعاصرة، بدليل تأخر سن الزواج وارتفاع نسب الطلاق في مجتمعنا العربي والاسلامي تحديدًا. وهذ تعبير ضمني عن التحديات التي ادخلتها ادوات التواصل الاجتماعي على أبرز مؤسساتنا التنشيئية والتعلمية التي يفترض أن تزود المجتمع الاكبر بأفراد يحافظون على استمرارية النوع البشري ويتمثلون المسموح فيه والمنهي عنه من القيم والسلوكيات المتفق عليهما عمومًا كتعبير عن الثقافة الجمعية المشتركة، كالتعبير عن الخصوصية الثقافية لهذا المجتمع او ذاك. وهذا ما بدانا نلاحظ ضعفه وتراجع ادائه من قبل الأسر نحو مجتمعاتها العربية عمومًا .

ثانيًا: تغير أدوار ومكانات الزوجين الابناء في الاسرة بتاثير ادوات التواصل نفسها ، ما قد يؤدي الى اجبار الوالدين والاسرة كمؤسسة اولى للتنشئة الاجتماعية التي كانت تعلمهم قيم التكافل والجماعة والضوابط الدينية في السابق الى التخلى عن الكثير من ادوارها هذه ، اذ اصبحت وسائل التواصل التكنولوجي هي الاقوى في اكساب الابناء من الجنسين مهارات الحياة المختلفة واختيار الاصدقاء العابرين للجغرافيا والمحليات و حتى اللغات بفضل توفر الترجمة الفورية و حرية تمثل الثقافات السلوكية الاخرى ايضا ونحو العالم /المعولم والارحب انطلاقا من اهمية القيم الفردية والمنفعة.

إن الشخصية التي تأثرت بتراجع الكثافة الدينية في الاسرة والمجتمعات المدنية في عالم اصبحت فيه المؤسسات الوسيطة بين الاسرة التقليدية والمجتمعات المدنية اكثر فاعلية مقابل تراجع فكرة وواقع النسب المتدنية في بناء او حتى استمرار الادوار التاريخية للاسرة ذهنيا وتنظيميا، فاصبحث هذه المؤسسات الوسيطة "الفنادق ، الشقق ، المنتجعات السياحية، خدمات المساج والطعام المتحركة ، الديليفري، والجنس الالكتروني ..الخ ". ومن خلال ما وفرته ادوات التواصل الاجتماعي من حريات فردية مدعمة بتشريعات واتفاقيات دولية بصورة اضعفت كل التحالفات الرجعية بين ما هو قيمي تقليدي في اسرنا العربية مع دول وحكومات هي "الدولة القبيلة " مجازًا، ما أحرج هذه الاسر والحكومات معا من جهة وجعل الافراد من الجنسين يتجاوزون ما هو جماعي ووطني رسمي ضاغط عليهم ومبطىء للالتحاقهم في منظومات الحداثة وما بعدها، الامر الذي وفرته لهم ادوات التواصل ودون قدرة لكل من الاسرة كامتداد للحكومات ضمنا على الحد من حريات الافراد المختلفة ما جعل تاثيرها هو الابلغ والاكثر طواعية لشبابنا في الاختيار والمفاضلة بين كل ما يخصهم وبين الانماط البطريركية لبناء اسرتنا العربية على حد تعبير المفكر الدكتور هشام الشرابي .

واخيرًا أجتهد بالقول، بأن الانسان العربي يعيش حاليًا حالة تصارع وتجاذب بفضل ادوات التواصل التكنولوجي هما اسرته البيولوجية ممثلة بوالديه واخوته ذات الامد المستمر من حيث الانتساب الاجتماعي لهم ..واسرته الذهنية الاقرب والاكثر اثرًا وتمثلا عبر سلوكيات معولمة انطلاقا من الحرية الفردية والقيمية الممارسة فعلا ..وبالتالي لابد من التاكيد كما اؤمن علما وتحليلا بأن التكنولوجيا هي ايدلوجيا حياتية معممة في هذا الكون الذي اصبح قرية بحجم الكف اي الهاتف الخلوي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اثر مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية اثر مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية



GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca