ذئب الجراح

الدار البيضاء اليوم  -

ذئب الجراح

عائشة الخواجا الرازم
بقلم - عائشة الخواجا الرازم

عاد أبي مرة من الصيد حاملًا حقيبة كبيرة أكبر من المعتادة، تنز منها قطرات دماء وكانت ضخمة غير التي يحملها لتحميل الطيور والزرزور، فتحها وأخرج ذئبًا صغيرًا نازف العنق حزينًا، وقال: "هذا فرخ ذيب ... لقيته يبكي ويجوح ومجروح ... صايبته فشكة خرطوش من صياد وظل محله ...

التمينا حول أبي وهو يدلك ظهر الذيب الزغير ويفرك بأصابعه بين كتفي الذيب ... والذيب ينوس بيننا وينظر بعينين نصف مفتحتين ومرة يرمش ومرة يغفو ومرة يتلفت باستحياء نحونا" ...

قلنا لأبي : الذيب خايف يا با ؟

لم يجب أبي وظل يمسد ظهر الذيب وكأنه يعرفه وينبؤه بالسلامة ...

غسل الجرح بالزيت الساخن وربت على جرح الذئب رمادًا باردًا من وقود التنور المجاور، ولفلف الجرح بضمادات من قماش وجه مخدتي والذئب يتلوى بنظرة انكسار بيننا، فلم نشعر بالخوف أو الغرابة كثيرًا ... فنحن نطمئن لأبي ولو قال ما قال وفعل ما فعل ...وقد كنا أيضًا قد اعتدنا على الألفة مع كلمة ذئب ونشعر أنه طاهر الذيل لطيف من خلال مناداة أبي لأخي الشهيد غازي: أنخاك. وإلا أنخى الذيب يابا ؟؟؟ فيرد غازي : إنخاني يابا ...أنا ذيب ..

قلنا لأبي: طب لو طاب وتحسن يابا وين بدنا نسكنه ؟ 

قال وهو يطلب من أمي: هاتي يا فاطمه البطانية المخبية تحت المطوى...

قالت: الأولاد بيسألوك لو طاب وتحسن وين بده يعيش ؟  

قال: هاتي هالبطانية وتوكلي على الله ... شايفتيه برتعش زي الريشة يا بنت الحلال !

سكتنا ... وخفنا يقوم أبوي وينزل هبد في أمنا ...وينط الذيب علينا !

فجأة بسرعة رمشة عين كانت أمي تلفع الذيب إيدها وإيد أبوي ويحملوه وبنيموه في زاوية الديوانية الواسعة اللي يجتمع فيها مع جماعته وحبايبه اللي بدهم يحرروا فلسطين هذيك ...

لحقناه ونحن نتطلع في وجوه بعضنا ... وقلنا بصوت واحد: يابا بلكي عطشان وجوعان ؟؟؟ كيف بده ينام ؟ 

قال أبي: لا يابا هو عارف إنه لو أكل بموت وهو تحت العملية ... 

قلنا: هو بيعرف ؟ 

قال: طبعًا يابا ... كل روح بتعرف مصلحتها ... فيش مخلوق جاهل بحياته ودمه رخيص ...

وقال وهو يرتب جسد الذيب ويهيؤه للنوم : بعدما يطيب جرحه سأحمله وأرجعه إلى الموكرة !! بقي الذئب بيننا نعتني به ونغير على جرحه ونمسد ظهره ونطعمه زغاليل من رفوف الحمام التي تحيط بدائرة بيتنا الواسع الحوش ...

إلى أن عصبت أمي بعد فترة وصرخت في وجه أبي: يعني الزغاليل اللي بشتروها النسوان الولادات وبنترزق منها صرنا نطعمها لذيبك يا أبو الذياب ؟؟؟

لأول مرة نرى أبي بضحكته المعهودة أمام عاصفة أمي الممنوعة والمحرمةأصلًا في وجه أبي ... قال: خلص اليوم مستر ذيب راجع لأهله ....

فتح أبي عليه واستدرجه بمهل حتى تمكن من قفا عنقه يدلكه ويحنو عليه وتحت إبطي الذيب ونحن ننظر بذهول كيف حمله كالطفل وأوقفه على قوائمه أمامنا وهو يقول : شايفين ... هيو طاب ....وبيقدر يمشي ويعيش ...

وين بدك توديه يابا ؟

قال: على الموكرة في عين الديوك 

قالت أمي: دير بالك يا سلمان ... ترى أهله يمكن يهجموا عليك لما تصل ويشوفوه ...

قال: ربنا كفيل بعباده يا فاطمه والدنيا الصبح والوحوش نايمة ...

ودعنا الذيب وهو يقف ينظر إلينا بنظرات مكسورة ولكن بعيون مفتحة واسعة وأهداب طويلة جميلة تأملناه بدقة كأننا نرى روعة خلقه لأول مرة مع أننا كنا نتجمع ونتأمله من وراء شبك سقيفته الصغيرة...

 فتحت أمي الجراب الجلدي الذي يستخدمه للصيد وأنزل أبي الذيب فيه بكل هدوء دون مقاومة واضحة... وربط الجراب على ظهر الفرس وثبت السرج والركاب والبارودة والخرطوش على الجانبين وتسهل ...

عاد أبي في المساء متأخرًا ونحن ننتظر ونبكي تارة وتارة نقف على الشارع العام تحت ظلال أشجار مقهى أبو حسن العزي فيواسينا ابنه محمد وابنه أحمد وتخرج ابنته رقيه للوقوف معنا ويخرج الفران أبو موسى العموري مع الناس: أبو غازي راح يوصل ذيب للموكرة ... ويتندرون: عمي أبو غازي مجنون ... بس حنون ... 

وحينما عاد أبي نازف الذراع ومقمط الصدر صرخنا نهشك الذئب يا أبي ؟ فقال لا... نهشني صياد آدمي تربص بنا فهجم بفوضى عارمة علينا وهدم الخص اللي بنيته من زمان  وطخ الذيب وهدم  باب الموكرة وغطاه بالتراب زي المجنون  !! 

 

الخص هو الساتر الذي يقف وراءه الصياد أما الموكرة فهي بيت الذئب أو الضبع وكانت منتشرة في فلسطين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذئب الجراح ذئب الجراح



GMT 10:00 2017 الإثنين ,04 أيلول / سبتمبر

يوشك الغريب أن ينكسر مصلوبًا أمام الباب

GMT 07:51 2017 الثلاثاء ,18 تموز / يوليو

لباسهن خيارهن الثقافي

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca