تأثير الحضارة السورية في الحضارة المصرية … الجوار الجغرافي الذي جمع بين سورية ومصر فرض عليهما علاقات تبادلية حتمية

الدار البيضاء اليوم  -

تأثير الحضارة السورية في الحضارة المصرية … الجوار الجغرافي الذي جمع بين سورية ومصر فرض عليهما علاقات تبادلية حتمية

بقلم - سوسن صيداوي

(تتميز سورية منذ القدم بسبقها الحضاري، وبكونها قلب العالم القديم، انصبّ على أرضها نتاج حضارات الدول المجاورة، تأثرت وتفاعلت فيما بينها، ومنها صدّرت هذا النتاج الحضاري للإنسانية جمعاء، وهي مهد حضارات العالم القديم وأهمها، لتميّزها وتفردها بأول الأبجديات في أوغاريت وصور وجبيل ونشرها في العالم). هذا بعض مما ذكرته د. لينا محسن تحت عنوان أهمية الحضارة السورية في مقدمة كتابها(تأثير الحضارة السورية في الحضارة المصرية خلال عصر الدولة المصرية الحديثة «1575 – 1087 ق. م»)، الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، من القطع الكبير، بواقع 456 صفحة.
وتسلط الباحثة في هذا الكتاب الضوء على الحضارة السورية وأهميتها بوصفها حضارة عريقة لم تكن متلقية لعناصر حضارتها، فحسب بل مؤثرة وفاعلة في حضارات جوارها الجغرافي. وتتوقف الباحثة عند عصر الدولة المصرية الحديثة (1550 – 1050 ق. م)، حيث افتتح هذا العصر بغزو مصر لسورية، وامتد النفوذ المصري حتى نهر الفرات، وما صاحب ذلك من انفتاح حضاري وتمازج بين الشعبين المصري والسوري، أدى إلى تأثير وتأثر متبادل بين الحضارتين. مبينة التأثير السوري في الحضارة المصرية في مختلف جوانب الحياة الأدبية والفنية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، معتمدة في ذلك على النقوش والرسوم التي خلفها المصريون القدماء على جدران المعابد.

الهدف من البحث
بداية لابد لنا من الإشارة إلى أنّ هدف هذا البحث أن الحضارات تستفيد من بعضها، فالحضارة اللاحقة تفيد من الحضارة السابقة، يتم ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أما الحضارات المتزامنة والمتعاصرة فيكون تأثير بعضها في بعض واضحاً جلياً ملموساً، وتتابع د. لينا محسن بأنه من غير المنطقي وغير الموضوعي أن تؤثر حضارة في أخرى من دون أن تتأثر فيها، بغض النظر عن الفارق الحضاري بينهما. هذا وتشير إلى أن الذين طرقوا تأثير الحضارة السورية في الحضارة المصرية بالدراسة هم قلة قليلة جداً، وبذلك لم تأخذ الحضارة السورية بعظمتها حقها، من حيث تأثيرها في الحضارات الأخرى، مؤكدة بأن عملية التأثير بين الحضارات هي عملية تبادلية كحقيقة منطقية، لا يمكن إلغاؤها أو تجاهلها، ومن ثم لا يمكن لحضارة أن تؤثر في حضارة أخرى من دون أن تتأثر فيها.

حول البحث
إن عدم وجود دراسة متخصصة بهذا الجانب من تاريخ مصر وسورية خلال عصر الإمبراطورية الحديثة، وعدم وجود مؤلفات سواء كانت باللغة العربية أم باللغة الأجنبية، دفع الباحثة للبحث عن المصادر رغم صعوبة الأمر، كما أنّ افتقادنا وجود مكتبات ومراكز بحثية متخصصة زاد الأمر تعقيداً، لهذا اعتمدت د. لينا محسن على أبرز المصادر والمراجع المنشورة باللغة الأجنبية وقامت بترجمتها إلى اللغة العربية للاستفادة منها، علماً أنّ معظم الأبحاث التي تنطوي تحت هذا النوع تعنى بحضارة بلد ما بدراسة جوانب معينة، السياسية والعسكرية، على حين قدّمت باحثتنا دراستها بطريقة موضوعية وعميقة، مثبتة عظمة الحضارة السورية وتأثيرها في الحضارة المصرية، وهذه التأثيرات شاملة للجوانب الحياتية كلّها السياسية والعسكرية والاجتماعية…. إلخ.

في التأثيرات نورد
ازدادت العلاقات بين سورية ومصر خلال الدولة الحديثة، نتيجة للتدخل العسكري المصري في سورية، والانفتاح الذي تبعه والتعرف إلى الأرض السورية، فقد وصلت القوات المصرية أول مرة حتى نهر الفرات، وتعرفوا خلالها على الصناعات السورية والأسلحة والبضائع….. إلخ. ومن هنا تؤكد الباحثة قائلة: ثبت في هذا البحث مقولة أن الجغرافيا تصنع التاريخ، إذ إنّ الجوار الجغرافي الذي جمع بين مصر وسورية، فرض عليهما علاقات تبادلية حتمية سواء على المستوى الاقتصادي أم تبادل الخبرات، أم مجال الاختلاط البشري والاجتماعي، وسهّل كل ذلك عدم وجود حواجز طبيعية تفصل بين البلدين.

أمثلة عن
أدى الانفتاح الحضاري على سورية في المجال الثقافي، إلى عبادة المصريين للآلهة سورية وضمها إلى مجمع الكهنوت المصري، كالربة عشتار وعنات وقادش، ومن الذكور الإله بعل وحورون وسويد. ومن الأمثلة أيضا التي ذكرتها د. محسن، في مجال اللغة فقد أنها أغنت اللغة السورية اللغة المصرية، وذلك عندما أضيفت كلمات كثيرة إلى اللغة المصرية، كأسماء البضائع والمنتجات، كذلك تسمية المصريين أنفسهم بأسماء مركبة تدخل فيها أسماء الآلهة السورية. وفي هذا المجال نذكر الأدب، فقد أدخلت أساطير سورية إلى الأدب المصري، وأفرزت العلاقة مع سورية قصصاً جديدة تدور معظم أحداثها على الأرض السورية، وظهر الأدب الممجد للحروب كميزة ناتجة عن طبيعة العصر العسكرية. وكذلك في الجانب الاجتماعي تروي الباحثة أنّ انتقال الأسر السورية وأبناء النبلاء إلى مصر للعيش فيها والاختلاط مع شعبها، كان له أثره في الصعيد الاجتماعي، كذلك التزاوج الذي تم بين الأميرات السوريات وملوك مصر، وأدى هذا النوع من المصاهرة إلى سيادة السلام وقيام تحالف وصداقة بين مصر من جهة ومن صاهرها من جهة ثانية، إضافة إلى دخول مجموعات كبيرة من السوريين أرض مصر، واستقروا فيها وأسهموا بأعمال صناعية ونسيجية وعمرانية وزراعية أفادت وأغنت المجتمع المصري كثيراً. وهنا أيضاً لابد أن نذكر ما أشارت إليه د. لينا محسن بأنه حتى النحت جاء ممثلاً للتغيير، الذي ظهر في هيئة المصريين بعد التزاوج الذي حصل بين المصريين من جهة والنساء السوريات من جهة ثانية، فقد ظهر جيل يتميز بملامح ناعمة رقيقة، وتنم على وسامة، كالشفاه الرقيقة بدلاً من الغليظة والأنوف القُني بدلاً من الأنف الأفطس والكبير. وأخيراً من النقاط التي يجدر أن نلفت الانتباه إليها أن الباحثة أشارت إلى نقطة جد مهمة حيث تقول: إن إبراز العلاقة التاريخية التي جمعت مصر وسورية خلال عصر الإمبراطورية المصرية الحديثة الممتد بين عامي (1575-1087ق. م) وإظهار هذه العلاقة التي جمعت كلا البلدين لم تكن علاقة تبعية وخضوع، كما اعتدنا أن نقرأها في المؤلفات، فالجزية مثلاً يفهم منها أنها جبرية وقسرية، وتعبر عن الخضوع السوري لمصر، لكنها لا تتعدى كونها تسمية تشير إلى عائدات التجارة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأثير الحضارة السورية في الحضارة المصرية … الجوار الجغرافي الذي جمع بين سورية ومصر فرض عليهما علاقات تبادلية حتمية تأثير الحضارة السورية في الحضارة المصرية … الجوار الجغرافي الذي جمع بين سورية ومصر فرض عليهما علاقات تبادلية حتمية



GMT 17:55 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

عالم الأمومة المفخخ

GMT 12:05 2019 الإثنين ,20 أيار / مايو

أجيال

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca