خالد الشرقاوي السموني
أصبحت في السنوات الأخيرة مشاهدة مباريات كرم القدم في الملاعب تسترعي اهتمامًا واسعًا من قبل الرأي العام وحضورًا حاشدًا لمشجعي الفرق، لكن مع الأسف تصاحبها أحيانًا مظاهر الشغب الرياضي والتعصب والعنف، تضر بالوضع الأمني بصفة عامة، وبحياة وممتلكات الأفراد بصفة خاصة، حيث أصبحت هذه الظاهرة تتعدى حدود الملاعب الرياضية، فالكثير من الجماهير الرياضية أخذت تتصرف بعد الفوز أو الخسارة بطريقة غير حضارية عن طريق الاعتداء على الآخرين وإلحاق الأذى والضرر بهم أو بممتلكاتهم . وفي الغالب ما نجد أن المراهقين الشباب هم من يقومون بأعمال الشغب.
وهناك من يعتبر " أن العنف الذي نشاهده في الملاعب الرياضية هو تعبير عفوي عن الغريزة ورد فعل إزاء الإحباط الناتج عن الخسارة "، كما اعتبر البعض الآخر " أن الإنسان يولد ولديه استعداد مسبق للعدوان، والذي قد يظهر بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق التنفيس في المواقف المقبولة اجتماعيًا مثل المنافسات الرياضية، فالعنف والشغب ما هو إلا نتيجة الإحباط الذي يؤدي دائمًا إلى القيام بالسلوك العدواني".
ويتخذ الشغب عدة أشكال، كاستخدام السيارات بشكل غير حضاري، وإطلاق الأصوات المزعجة، وتعطيل حركة السير والمرور، وتكسير السيارات، وتدمير المرافق العامة والممتلكات الخاصة وإحراقها، وهو ما ينتج عنه إيذاء بأرواح الناس وممتلكاتهم والإخلال بالأمن العام.
وهذه الظاهرة ليست حديثة في المجال الرياضي بالمغرب، وإنما هي ظاهرة قديمة، عرفتها ملاعب كرة القدم في أوروبا وتجسدت مظاهر الشغب في مراحله الأولية في اعتداء المتفرجين على الحكام واللاعبين، قبل أن يتحول العنف إلى خارج الملاعب الرياضية.
ولازال العالم يتذكر تواريخ مؤلمة في الكرة العالمية بعدما شهد ملعب "هيزل" في بريطانيا أحداثًا مأساوية بين جماهير ليفربول بول وجيفونتوس بمناسبة نهائي الكأس الأوربية، ذهب ضحيتها حوالي 39 مشجعًا سنة 1985، ولهذا السبب حرم الاتحاد الأوروبي الأندية الإنجليزية من المشاركة في جميع المنافسات القارية لمدة نصف عقد من الزمن، كما فرض عليها اللعب بدون جمهور.
وعلى الرغم من وضع قانون لمحاربة الشغب في الملاعب الرياضية في المغرب الذي يمنع على الخصوص القاصرين (ذوي الأعمار التي تقل من 16 سنة) من دخول الملعب وإقرار عقوبات حبسية في ارتكاب أفعال مخلة بالأمن أو الاعتداء أو إتلاف الممتلكات، فإن نسبة حالات الشغب تفاقمت في الآونة الأخيرة وبشكل لافت، حيث إن المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يعيشها المشجعون تدفع بهم إلى القيام بأفعال عدوانية داخل الملاعب وخارجها.
فظاهرة الشغب الرياضي تعد من الظواهر الاجتماعية والنفسية التي تشكل خطرًا على أرواح المواطنين وممتلكاتهم، حيث إن المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يعيشها المشجعون تدفع بهم إلى القيام بأفعال عدوانية داخل الملاعب وخارجها، سواء في حالات الفرح أو الغضب.
فهذه الأفعال التي يقوم بها مشجعو الفرق الرياضية تخرج عن سياق الفرجة الرياضية والمتعة، وتفقد الأنشطة الرياضية قيمها الرائعة وخصائصها في الفرجة والترفيه عن النفس، كما تؤدي إلى تحطيم القيم التي تعمل الرياضة على إكسابها للفرد والمجتمع، مما ينتج عنه عدد من المشاكل التي تشكل خطرًا على أمن المجتمع والأفراد من أعمال تخريب ونهب واعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.
وبالمناسبة، استنكر ما حدث يوم الأحد الماضي من أعمال شغب وعنف، حيث خرج بعض أفراد جمهور "الوداد البيضاوي"، عقب مباراة في كرة القدم جرت يوم الأحد 29 نوفمبر بين "الفتح الرباطي" و"الوداد" بملعب مولاي الحسن بالرباط، والتي فاز فيها نادي الفتح بهدف واحد لصفر، إلى الشارع، حيث طفقوا يكسرون زجاج السيارات والاعتداء على المواطنين بالحجارة، أصابت بعض المواطنين بجروح بليغة.كما توجه بعض مشجعي الوداد إلى الأحياء المجاورة للملعب، الذي يقع في حي النهضة بالرباط، وبدأوا في تكسير السيارات الواقعة في الأزقة، والرشق بالحجارة على سطوح المنازل، ما أفضى إلى إصابة بعض النساء اللواتي كن يطللن من سطوح بيوتهن.
ولا يفوتنا في هذا الصدد، أن ندعو السلطات العمومية والمحلية والجمعيات الرياضية لتكثيف جهودها من أجل القضاء على ظاهرة العنف والشغب في المجال الرياضي، ولا بد من مساعدة الشباب على تنمية روحهم الرياضية وتعليمهم الأهداف والقيم الاجتماعية النبيلة للرياضة وتشجيعهم على التعبير عن آرائهم من خلال السلوك الحضاري وليس اللجوء إلى الفعل العدواني.
كما أن وسائل الإعلام أيضًا يمكن أن تؤدي دورًا مهمًا في التخفيف من ظاهرة الشغب الرياضي وتغيير سلوكيات الشباب مشجعي الفرق الرياضية، وتهذيب سلوكهم حتى لا يصير عدوانيًا، والسيطرة على انفعالهم الناتج عن الخسارة أو الانتصار.