"شاط الخير"..

الدار البيضاء اليوم  -

شاط الخير

بقلم :يونس الخراشي

 ينتمي أغلب الذين يشاهدون كرة القدم في الملاعب المغربية إلى طبقات مسحوقة من الشعب. وهذه الطبقات تعرف معنى الظلم جيدا. ذلك أنها مظلومة في أعز ما يقوم عليه الإنسان، وهو معيشها اليومي. وهي من أطلق تلك الأغنية البسيطة والمعبرة "في بلادي ظلموني".
حين تذهب جماهير تلك الفئة من الشعب المغربي إلى الملاعب، بأموال تجمع بشق الأنفس، فإنها تبحث عن شيء واحد لا غير؛ الفرجة. فالفرجة دواء عجيب تنسي به، ولو إلى حين، مآسيها اليومية في الحياة، والمكاره التي تعانيها، والفرجة تحقق لها، في الآن نفسه، مآرب أخرى، أبرزها العدل، وهي ترى نفسها تعيش إشباعا من نوع خاص، لا تستطيع بلوغه في أشياء كثيرة في بلدها.
وحين تمس التحكيم، وهو أحد أهم مظاهر العدل والعدالة في مباريات كرة القدم، شوائب، فإن هؤلاء البسطاء الطيبون، حسب تعبير فدوى طوقان في واحدة من قصائدها الفلسطينية الباذخة، يشعرون بألم فظيع، ومزلزل. وقد ينتج عن ذلك ردات فعل سيئة للغاية، ليس الشغب سوى أحد مظاهرها، أما البقية الباقية من تجلياتها، فتحدث حيث لا يمكن التنبه؛ في البيت، ومع الأهل، ومع الجيران، وفي الحياة العامة، حيثما تحرك البسطاء.
وللذين يستسهلون تداعيات التحكيم السيء، أو الجائر، في مباريات كرة القدم، أن يسمعوا ما يقال عقب نهاية المباريات. فالبسطاء لا يسبون الحكام فقط، بل من يظنون أنهم وجهوهم، ومن يظنون أنهم يتحكمون في خيوط اللعبة. ثم يمتد السب، ليصل إلى حالتهم المعيشية، فتجد أحدهم مثلا يقول لك:"خلينا ليهم كلشي، بغينا غير نفوجو على راسنا، ما خلاوناش في التيقار". وتجد غيره يقول لك:"حرام عليهم، حتى في التيران مخلاوناش نفرحو؟". وتعليقات كثيرة من هذا القبيل.
للرياضة عموما، وكرة القدم بما هي لعبة شعبية عالميا، خصوصياتها التي تتميز بها. ولعل أهمها أنها تقوم على العدل، فتجد من يربح، مثلا، في مباراة لكرة القدم، دون أن يستحق، منبوذا حتى وهو يحتفل بالفوز. وقد تجد جمهوره يفرح معه، ولكن فرحته ينقصها شيء ما، لأن مشاعره الحقيقية تؤكد له أن الفوز كان مسروقا، ومن تم يبدأ في انتظار المباراة الأخرى، لعل فوزا صادقا يأتي، فيمحو به تلك المشاعر المؤلمة.
وفي ألعاب القوى، مثلا، هناك "ميترو وكرونو" (المتر والعداد). وهذان لا يكذبان، فإما أنك تملك القوة والجلَدَ، والموهبة، أو ستنهي السباقات في مراكز متأخرة. وكلما تدخلت عوامل أخرى، لا صلة لها بالموهبة، والتداريب، والاستعداد النفسي، مثلما هو الحال مع المواد المنشطة المحظورة، تجد من يفوز بعينين لا تتقنان فرح التفوق، وحينما يكشف عن تزويره لقوته، يصير منبوذا، وتسقط أرقامه، ويكون نموذجا سيئا لا ينبغي الاقتداء به.
الرياضة تقوم، بالأساس، على القيم. وأبرز قيمها العدل. فدونه لا تكون أبدا. فلا يعقل أن يدخل فريق ب13 لاعبا فيما الفريق الآخر ب11 لاعب. والعدد هنا قد لا يكون فعليا، بل بزيادة الحكم، ومن وراء الحكم. فيختل الميزان، ويصاب الجمهور بغصة، وتتأثر دورة الحياة كلها. والعكس صحيح؛ إذ بالعدل في الملاعب، تقبل الخسارات، وتتناساها النفوس، وتتأثر الحياة اليومية إيجابا.
متى يأتي يوم نسمع فيه الجماهير في ملاعبنا تغني:"فبلادي كرموني.. اشهد يا ربي العالي.. فهاد البلاد عايشين بخير.. ما نقصنا حتى خير".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاط الخير شاط الخير



GMT 10:25 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدفاع في الريادة

GMT 10:22 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

"وشكون عرف؟"..

GMT 15:07 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

"كلمة حق"..

GMT 13:45 2019 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

منتخبات مجنونة

GMT 17:40 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 18:54 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 18:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 05:14 2017 الجمعة ,22 أيلول / سبتمبر

حسين جابر يتحدث عن أرباح صندوق "تنمية العراق"

GMT 23:37 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

"سابع جار" للممثلة هيدي كرم قريبًا على CBC

GMT 14:30 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 05:20 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأفضل الفنادق الفاخرة في العالم

GMT 08:53 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

جزيرة "العوانة" في الجزائر تسحر العيون بالطبيعة الخلابة

GMT 00:53 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

نقص الحديد يؤثّر على وظيفة المناعة وإنتاج الطاقة

GMT 12:59 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الطقس في مملكة البحرين بارد نسبيًا مع بعض السحب أحيانًا

GMT 08:07 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

عاصفة ثلجية تضرب كندا وتلغي رحلات جوية وتغلق مدارس

GMT 08:38 2016 الثلاثاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

25 تشرين الثاني موعد لبيع مازيراتي 1970 في مزاد
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca