المغرب في حاجة إلى أبنائه اليساريين والديمقراطيين

الدار البيضاء اليوم  -

المغرب في حاجة إلى أبنائه اليساريين والديمقراطيين

بقلم - المصطفى المريزق

بالرغم من انخراط عشرات الجمعيات الحقوقية ومئات الضحايا وعائلاتهم في مسلسل المصالحة وجبر الضرر، فإن شكا كبيرا ما زال باقيا على أرض الواقع حول تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وحول آليات حفظ الذاكرة، والاستفادة من دروس وعِبر ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتعليمها للأجيال الصاعدة لكي لا يتكرر ما حصل من عنف وقمع واضطراب، ومن الواضح أن خلق جيل جديد من الحقوقيين انطلاقا من مختلف التجارب ليس بالأمر السهل. لقد كان المناضل الحقوقي المرحوم إدريس بنزكري، مهندس الإنصاف والمصالحة، نفسه ملما بالضعف الكامن في ذلك النمو السريع والإنتاج الجماعي لأعضاء الهيئة.

واليوم تُظهر التجربة ضرورة بناء جبهة حقوقية قوية، تمتلك خطا حقوقيا صحيحا، منخرطة بفعالية في العمل المدني، ولها الجرأة في قيادة النضال الحقوقي من أجل تحقيق أهداف واضحة، تصون المكتسبات أولا، وتسهم في تعزيز آليات البناء الديمقراطي الحداثي ثانيا، وثالثا تعمل على ترسيخ الحقوق والحريات وإقرار قيم العدالة والمساواة، لقد سجّل الجميع تقدمًا مهمًا على امتداد العقد الأخير في مجال حقوق الإنسان والحريات مقارنة مع الماضي، بعدما كان الوطن يتجه نحو أزمة حقيقية بسبب ضغوطات لوبيات الظلامية والتجزئة السياسية، التي كانت تحن إلى الاستبداد عبر تمرير سياساتها الشوفينية والأصولية باللجوء إلى العنف، وتكسير مفاصل النسيج الاجتماعي وتمزيق الوحدة الوطنية.

وبسبب الدعم الفعال للحوار الوطني الحقوقي، من قبل القوى التقدمية والديمقراطية، الساعية إلى اتباع سياسة مبنية على إمكانية الانتقال السلمي إلى دولة الحق والقانون من أجل إحباط مخطط الرجعية وحليفتها الأصولية المحرضة على العنف والاستئصال، ظهرت الحاجة إلى الاهتمام بالمسألة الاجتماعية من خلال علاقة ارتباط حتمية بين النضال الحقوقي وبين الفعل السياسي، لوقف نمو البؤس والفساد والاستبعاد الاجتماعي، وتجاوز الفوضى الاقتصادية وفضح اقتصاد الريع وما ينتج عنه من رشوة وزبونية ومحسوبية.

وما من شك في أن الظروف التي تمر بها بلادنا اليوم لا يجب أن تزرع فينا الإحباط والاكتئاب والفشل، بل يجب أن تقوي عزمنا لكي لا نرضخ لأي تراجع عن القيم الإيجابية التي أزهرتها مشاتل اليسار الثقافي والجمعوي والفني والنقابي والسياسي، ليس فقط لأن فرسان هذه القيم قد غابوا عنا، أو دهستهم ماكينات سنوات الجمر والرصاص؛ بل لأن الأحلام الوطنية لا يمكن أن تنهار، ولا يمكن السماح لأي كان للعبث بها مهما كانت قوته.

لقد تابع الرأي العام الوطني الحقوقي والسياسي، في الأسبوع الماضي، بقلق شديد مرور أحد رموز العنف السياسي بالجامعة المغربية ضمن برنامج تلفزيوني، خصص لتقييم تجربة الإنصاف والمصالحة؛ وهو ما جعل العديد من الأصوات تعلو منددة بالتطاول على جزء عظيم من تاريخ حركة التحرر الوطني في المغرب. ولعل مثل هذا الحدث يجعل أجيالا بكاملها تفقد الثقة، وتعتبر ما حدث لجوءا إلى الترويج للإرهاب والتطبيع مع متهمين كانوا طرفا في ممارسة العنف الفكري والسياسي والجسدي المفضي إلى الموت، مثلما حصل للطالب اليساري أيت الجيد محمد بنعيسى الذي قتل مغدورا في بداية التسعينيات بالقرب من جامعة ظهر المهراز في فاس.

لقد كان النضال من أجل المساواة والديمقراطية هو الفكرة المحركة للمشهد السياسي المتردي لمغرب ما بعد الاستقلال، الذي أفضى في العديد من المحطات إلى مأساة حقيقية. ومنذ وقت مبكر، دعت العديد من الأصوات اليسارية والتقدمية إلى تحقيق الوطن المغربي على قاعدة الاقتصاد الصناعي، العقل والحرية، ولعل ما نتلقاه اليوم من تغطية إعلامية للأخبار الخارجية، وما نلتقطه من تغطية تلقي الضوء على أهم ما يحدث في العالم من تغيرات جذرية، يرى العديد من المتخصصين أنها مقدمة للإعلان عن عالم جديد حيال ما يحدث في بلاد العم سام، وما يقع في إنجلترا وألمانيا وفرنسا، إلخ. وهذا ما يجعلنا اليوم نختار بين الإذلال وبين الكبرياء، وبين اليأس وبين الأمل، وبين العنف وبين الأمن المتجدد في صورة السلم والسلام.

وكما تظهر استطلاعات الرأي والدراسات، فإن العائلة اليسارية المغربية الديمقراطية والحداثية محكوم عليها بممارسة ذكائها ووقف كل الحروب الجانبية والهامشية، والتسلح بنظرة مستقبلية - استشرافية، وإطلاق برنامج استعجالي لتشجيع إجراء مناقشات عامة واسعة ومتنورة حول السياسة، وخلق مبادرات تثقيفية في وسائل الإعلام العديدة، وإثارة الجدل في شبكات التواصل الاجتماعي حول البدائل السياسية للتيارات اليسارية والديمقراطية الحداثية، من أجل الوحدة والتركيز على قوة الحوار، لقد أظهرت النتائج الانتخابية البرلمانية الأخيرة أن المغرب في حاجة إلى يساره وإلى كل أبنائه الديمقراطيين التقدميين، بكل ألوانهم وأشكالهم، إن الجماهير المغربية لا تستطيع الصبر على ما لحقها من أذى اجتماعي، وهي في حاجة اليوم إلى قطب سياسي حداثي متنور، لقيادة البلاد نحو طريق جديد، على ضوء ما يحدث في العالم من تغيرات راديكالية تنذر بالخطر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب في حاجة إلى أبنائه اليساريين والديمقراطيين المغرب في حاجة إلى أبنائه اليساريين والديمقراطيين



GMT 12:17 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 16:26 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"كاف إقامة أمم أفريقيا 2023 في الصيف

GMT 14:10 2019 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المنع المتخذ في حق الجماهير الشرقية

GMT 09:10 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تذاكر "الديربي"..خطأ إدارة الوداد

GMT 12:20 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تكتيك الديربي مفاتيح القمة العربية

GMT 10:56 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ننشر 10 تساؤلات بشأن تعويم الدرهم

GMT 02:23 2014 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السياحة الجنسية ظاهرة خطيرة تُثقل كاهل المجتمع في مراكش

GMT 18:29 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تسيير أول خط طيران مباشر بين بابوا غينيا الجديدة والصين

GMT 21:23 2018 الثلاثاء ,04 أيلول / سبتمبر

إنقلاب سيارة "پورش" يقودها سعودي في طنجة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca